من الحجامة إلى الوخز بالإبر...تبادلات صينية عربية في مجال الطب التقليدي عبر طريق الحرير القديم والحديث

الوقت:2019-05-16 11:29:26المصدر: شبكة شينخوا

كما حملت القوافل على طول طريق الحرير القديم التوابل والحرير الصيني والشاي والخزف متجهة نحو الغرب وعادت محملة بمنتجات مميزة من تلك البلدان، يلعب الحزام والطريق الحديث دورا هاما في إتاحة الفرصة لكي يفهم العالم الخارجي سحر الثقافة الصينية ومن بينها الطب الصيني التقليدي وأيضا التعرف عن قرب على الطب العربي القديم وكنوزه.

"الطب العربي القديم والطب الصيني التقليدي يتمتعان بتاريخ طويل كما أنهما مترابطان"، هكذا قالت الدكتورة الصينية تشاو جينغ التي درست على مدار العشرين عاما الماضية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في مجال الطب الصيني التقليدي وحملت على عاتقها مهمة الترويج لهذا الطب في العالم، وتكرس نفسها حاليا لتعليم الأطباء الأجانب ومن بينهم أطباء عرب كيفية العلاج بالإبرة الصينية.

وضربت مثالا بالحجامة التي يشيع استخدامها في الطب الصيني والتي قالت إن المصريين يعتبرونها كنزا للطب المصري التقليدي وتعتبرها دول منطقة الخليج جوهرا للطب العربي الإسلامي. ورأت أنه رغم اختلاف أسلوب استخدام الحجامة في الطبين حيث يتميز الطب الصيني بوضع الحجامة (أكواب مليئة بالهواء الساخن)على نقاط معينة من الجسم وحسب نوع المرض وتفريغها من الهواء بهدف تحفيز الطاقة في هذه المنطقة، فيما يقوم الطب العربي بعمل جروح لسحب الدم المتكدس داخل الجسم، إلا أنهما يقومان على مبدأ أساسي يتمثل في إصلاح الخلايا الجذعية وتنقية الدم وتنشيط الدورة الدموية.

وشاطرها الدكتور العراقي حازم الشاوي، الخبير في الطب الصيني الذي زار الصين مرتين وقضى فيها إجمالا حوالي عامين حضر خلالهما العديد من المحاضرات حول الوخز بالإبر الصينية وكيفية إخراج الحصى والرمل من الكليتين بدون جراحة، شاطرها الرأي في أن الطب الصيني يختلف عن الطب العربي في الإسلوب وطريقة المعالجة، لكنه عبر بشكل خاص عن عشقه للطب الصيني، قائلا إنه طب متقدم ومتفرع وله خصائصه وخبرائه وعلمائه ويعطي إبداعات ويحقق نتائج كبيرة.

وذكر أنه خلال عمله في عيادته بالعراق لمدة سنتين عالج أكثر من 12 ألف مريض، وهناك العديد من الحالات التي تماثلت للشفاء وكانوا يعتقدون أنهم لا يمكن أن يشفوا من المرض أبدا لكن الطب الصيني قدم لهم خدمة كبيرة.

وتابع بقوله إن الطب الصيني لا توجد فيه أي جراحة ولاتوجد فيه مضاعفات أخرى على عكس الطب الغربي، مضيفا إن المثل يقول "إن الأعشاب إذا لم تنفعك لاتضرك"، وضرب مثالا بأن الطب الغربي يعالج مرض الصرع عن طريق العقاقير والإنسان لايشفى منه تماما، أما بالنسبة للطب الصيني فهناك عشبة تعطي للمصاب بهذا المرض وخلال من أربعة إلى ثمانية أشهر يمكن أن يشفى المريض تماما ودون حدوث أية مضاعفات أخرى و"هذا بحد ذاته إبداع".

وأشار إلى أن الطب الصيني يعتبر من بين أقدم الانظمة العلاجية على وجه الأرض، "فعمره أكثر من 5 آلاف سنة منها 3500 سنة قبل الميلاد"، مضيفا أن المثل يقول "أكبر منك بيوم يعرف أكثر منك بسنة" ليوضح بأن الحروب القديمة كانت تدور بالسيوف والمطارق ويصاب الجرحى فيها بتهشيم العظام أو بجروح كبيرة ولم يكن العالم يعرف العمليات الجراحية، لكن كانت هناك مواد عشبية يستخدمها الطب الصيني بحيث تشفى الجروح والكسور.

وعلى صعيد آخر، رأت الدكتورة تشاو جينغ أن تكليفها في عام 2018 بمهمة من معهد البحوث الأساسية للطب الصيني التقليدي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الطبية بإجراء دراسة استقصائية عن الترويج للطب الصيني في المنطقة العربية كان السبيل إلى اكتشافها مجالا جديدا جديرا بالبحث ألا وهو الطب العربي القديم الذي قالت عندما قرأت عنه "لقد فتحت بابا كنت اعتقد أنه مغلق".

وقالت تشاو جينغ إنها اكتشفت أن التواصل بين الطب الصيني التقليدي والطب العربي القديم، وفقا للمواد التاريخية التي قرأتها، لم يأت على سبيل الصدفة، مضيفة أن التواصل بين الطبين يعود إلى عهد أسرة هان الصينية حيث كانت تُكتب للمرضى وصفات علاجية طبية عربية وفارسية حتى أن البلاط الملكى آنذاك أنشأ ست مؤسسات متخصصة في الترويج للطب العربي.

ولفتت إلى أن الكثير من الأعشاب الثمينة المستوردة من الشرق الأوسط دخلت الصين عبر طريق الحرير القديم، قائلة إن العديد من مفاهيم الطب الغربي تم تطويرها على أساس الطب العربي التقليدي، فالعراق التي كانت ذات يوم عاصمة عالمية للحضارة أنجبت في القرن العاشر الميلادي عددا لا يحصى من العلماء في مجالات الفلك والفنون والعمارة والرياضيات وغيرها.

ويبدو أن التبادلات مستمرة عبر طريق الحرير القديم والحديث، حيث قال الدكتور الشاوي إنه في بداية الأمر لم يكن لدى بعض المرضى العراقيين فكرة عن طبيعة الطب الصيني، لكن من خلال عمله وشرحه عبر اللقاءت الصحفية واللقاءات المباشرة مع المرضى لطبيعة الطب الصيني وفوائده أصبح الطب الصيني معروفا لدى العديد من العراقيين ويسعى الشاوي إلى أن يكون في كل بيت صيدلية للطب الصيني "لأن العقاقير الكيماوية إذا أفادت المريض فمع الاستمرار عليها ستظهر أمراض جانبية أخرى بعضو آخر".

وأشار إلى أنه يعطى أمثلة للجمهور العراقي بجاره الصيني الذي يتجاوز عمره مائة سنة وعندما يلعب معه الرياضة الصباحية يبدو أكثر نشاطا منه، وذلك لأن الطب الصيني يعتمد على التغذية في 25 بالمائة لتعزيز الصحة العامة، ناصحا إياهم بشرب الماء الساخن وفقا للطب الصيني.

وقال الطبيب العراقي إن الطب الصيني يتوجه للعالمية حيث يجرى اعتماده على مستوى الدول الأوربية، منوها إلى أنه في القرن العشرين طلبت منظمة الصحة العالمية من الصين التعاون في مجال الطب الصيني لتستقبل الصين بناء على هذا الطلب 1000 طبيب وخبير درسوا هذا العلم "الذي يعطي نتائج راقية إلى أبعد الحدود التي يتوقعها الإنسان".

ولا شك أن الطب العربي والطب الصيني التقليدي لهما في مسار الحضارة الطبية العالمية أصالة وتألق وإشعاع وجرت بينهما تبادلات عبر طريق الحرير القديم وستظل مستمرة على طريق الحرير الجديد، فالحضارة والطب جزء منها هي إنتاج مشترك بين الأمم يعود بالنفع على الجميع.

وقد ألمحت الدكتورة تشاو جينغ إلى أن الصين دعت في السنوات الأخيرة إلى دمج المفاهيم الطبية التقليدية في الطب الحديث، ولاقى هذا الاتجاه إلى التقارب بين القديم والحديث قبولا من جانب عدد كبير من العاملين في المجال الطبي بأنحاء العالم.

تحرير: تشي هونغ