مقالة خاصة: زيارة شي تفتح آفاقا جديدة للعلاقات الصينية-الروسية
تقترب العلاقات الصينية-الروسية من "لحظة مهمة جدا" في تاريخها، حيث يسافر الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا يوم الأربعاء في زيارة دولة جديدة ولحضور منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي.
وخلال الزيارة، من المتوقع أن يضع شي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خطة عمل للتنمية المستقبلية للعلاقات الثنائية وأن يدفعا شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة نحو مرحلة جديدة.
زيارة مهمة للعلاقات بين البلدين
يرتفع سقف التوقعات بالنسبة لزيارة شي التي تستغرق ثلاثة أيام، وتأتي في ظل وقوف العلاقات الصينية-الروسية عند نقطة انطلاق جديدة بعد 70 عاما من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومن المقرر أن يستعرض شي وبوتين الإنجازات والخبرات في تنمية العلاقات الثنائية على مدار العقود السبعة الماضية وأن يرسما مسار تنميتها المستقبلية وأن يعملا على زيادة رفع الشراكة الصينية-الروسية، وفقا لما ذكر تشانغ هان هوي، نائب وزير الخارجية الصيني.
وأشار تشانغ إلى أن الزعيمين سيوقعان أو يشهدان التوقيع على وثائق تعاون مهمة، وسيحضران تجمعا بمناسبة الذكرى الـ70 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين بكين وموسكو.
وبفضل التوجيه الاستراتيجي من جانب زعيمي البلدين والجهود المشتركة للجانبين، فإن العقود الأخيرة شهدت تحديث الشراكة الصينية-الروسية مرات عديدة.
وأوضح تشانغ أن زيارة شي "ستعزز الأساس السياسي للعلاقات الصينية-الروسية، وستؤكد على الدعم المتبادل في القضايا التي تخص المصالح الأساسية والشواغل الكبرى، وستضمن عدم تأثر العلاقات بأي تغيير في الوضع الدولي."
وأضاف أن "الزيارة ستكون حجر زاوية مهما في تنمية العلاقات الثنائية" و"بالتأكيد ستعزز تنمية أكبر...وفقا للوضع الجديد."
التعاون يحقق نتائج مثمرة
مع نمو العلاقات الثنائية بشكل أوثق، يسير التعاون العملي بين البلدين الجارين الكبيرين على المسار السريع.
بلغت التجارة الثنائية رقما قياسيا وصل إلى أكثر من 100 مليار دولار خلال 2018، مرتفعا بمقدار 27.1 بالمئة على أساس سنوي، وهو أعلى معدل من بين أكبر 10 شركاء تجاريين للصين.
فالتعاون تحسن في قطاعات الطاقة والطاقة النووية والفضاء الجوي. أبحرت أول ناقلة للغاز الطبيعي المسال من شبه جزيرة يامال الروسية في القطب الشمالي صوب الصين الصيف الماضي، وستزود الصين بملايين الأطنان الأخرى كل عام. كما بدأ خط النفط الصيني-الروسي الثاني التشغيل التجاري في 2018، حيث من المتوقع أن يمد خط الغاز الطبيعي الشرقي الصين بالغاز بحلول نهاية هذا العام.
كما وقع البلدان على حزمة من الاتفاقات لتوسيع التعاون النووي، وحقق تطوريهما المشترك لطائرة ركاب عريضة وبعيدة المدى تقدما ثابتا.
كما برزت مجالات جديدة للتعاون، مثل الاقتصاد الرقمي والشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم والتكنولوجيا الفائقة وتنمية الشرق الأقصى واستكشاف القطب الشمالي.
علاوة على ذلك، فإن التبادلات الشعبية حققت نجاحات كبيرة، فالصداقة بين البلدين توطدت عبر برامج غنية متنوعة على المستويين الوطني والمحلي في مجالات مثل الثقافة واللغات والسياحة ووسائل الإعلام والشباب.
وقال دميتري بيسكوف، النائب الأول لرئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الدوما الروسي، إن الصداقة الروسية-الصينية تخدم قطعا المصالح طويلة الأجل للبلدين والشعبين.
وأضاف أن التعاون الثنائي، الذي يقف الآن "عند أعلى مستوى له في التاريخ" يقدم "نموذج تعاون متقدم" لعالم اليوم.
فالشراكة الاستراتيجية لا تصب في صالح البلدين فقط، ولكن أيضا تلعب دورا رئيسيا في الساحة الدولي لتدعيم التعاون المربح للجميع، يظهر في الجهود المنسقة لإقامة منظمة شانغهاي للتعاون والتعاون الثلاثي بين الصين ومنغوليا وروسيا، والتنسيق في إطار بريكس ومجموعة العشرين وغيرها.
من أجل عالم أكثر عدلا وأمنا
وخلال زيارته، سيحضر شي منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي للمرة الأولى، حيث سيلقي خطابا في جلسة كاملة وسيوضح موقف الصين حيال التنمية المستدامة.
وحظيت هذه الخطوة على إشادة من وسائل الإعلام الروسية، حيث سيضفي حضوره وضعية خاصة للمنتدى.
ومع تصاعد الحمائية التجارية والأحادية، من المتوقع أن يؤكد الرئيس الصيني على استعداد بكين للعمل مع كل الأطراف من أجل تدعيم التعددية وتحسين الحوكمة العالمية من أجل التنمية والازدهار المشتركين للقرية العالمية.
ويوفر المنتدى السنوي رفيع المستوى منصة لروسيا، التي تعاني من عقوبات اقتصادية ومالية كبيرة من الغرب، للدفاع عن المنافسة الحرة ومعارضة الحمائية.
وترسل الصين وفودا رفيعة المستوى إلى المنتدى على مدار السنين، وأعربت عن دعمها الثابت لاقتصاد عالمي مفتوح ونظام تجارة متعدد الأطراف.
وخلال السنوات الأخيرة، أصبح التضافر بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي تقوده روسيا، ومبادرة الحزام والطريق، التي اقترحتها الصين، موضوعا مهما يتصدر أجندة المنتدى.
وأشار ياروسلاف ليسوفوليك، كبير الاقتصاديين ببنك التنمية الأوراسي، إلى أن هذا التضافر سيدعم النمو الاقتصادي وتكامل روسيا وباقي دول أوراسيا، مضيفا أن مبادرة الحزام والطريق تلعب دورا رائدا في عملية التكامل العالمية وتدفع تطوير النقل واللوجيستيات في الدول النامية.
وعلى الساحة الدولية، أصبح التنسيق الصيني-الروسي قوة ضرورية لا غنى عنها في المساعدة في تسوية القضايا الدولية والإقليمية الساخنة، وذلك على خلفية عالم يشهد تغيرات معقدة وعميقة.
وكنموذج على التعاون المربح للجميع وحسن الجوار والتعايش المتناغم بين الدول الكبرى، فإن الصين وروسيا مدافعتان ثابتتان عن التعددية لحماية القانون الدولي والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي الدولي والمساعدة في جعل النظام العالمي أكثر عدلا وحكمة.
وقال سيرجي لوزيانين، مدير معهد دراسات الشرق الأقصى بالأكاديمية الروسية للعلوم، إنه بالنظر إلى المستقبل، فإن روسيا والصين ستواصلان تعميق شراكتهما الاستراتيجية والحماية المشتركة للسلام والأمن العالميين.
وكما قال عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي من قبل، حينما تقف الصين وروسيا جنبا إلى جنب، فإن العالم سيكون مكانا أكثر أمنا وسلاما واستقرارا.