مقالة خاصة: حلم صيني-مصري كبير يتحقق مع تحول الصحراء إلى منطقة تعاون
كان من الصعب على أحمد عبد الباقي تخيل ما سيؤول إليه بناء مدينة في الصحراء، حتى بدأ العمل في منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر رفقة زملائه الصينيين في وطنه مصر.
وحاليا، يعمل عبد الباقي (32 عاما)، مدير مهندسين في المنطقة التي تقع على بُعد حوالي 120 كم شرق القاهرة قرب قناة السويس.
وبعد أن شهد التقدم السريع الذي أحرزته المرحلة الأولى لمنطقة التعاون، حيث تغطي المرحلة مساحة 1.34 كيلومتر مربع، بات لدى عبد الباقي ثقة أكبر في توسعة هذه المنطقة.
وفي 21 يناير 2016، حضر الرئيس الصيني شي جين بينغ المراسم الافتتاحية للمرحلة الثانية من منطقة التعاون، حيث تغطي هذه المرحلة مساحة 6 كم مربع، مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارة الدولة التي قام بها شي في مصر.
ولفت شي إلى أن المشروع سيجلب أكثر من 100 شركة في مجالات المنسوجات والملابس الجاهزة والمعدات النفطية والدراجات النارية فضلا عن شركات الطاقة الشمسية، إلى مصر،.كما سيخلق أكثر من 10 آلاف فرصة عمل على المستوى المحلي.
وبعد ثلاث سنوات، أصبحت منطقة التعاون تمثّل مدينة مزدهرة مواتية لمزيد من المصريين، مثل عبد الباقي، لتحقيق أحلامهم.
مساع مشتركة
وخلال زيارة شي في 2016، وقّعت الصين ومصر أيضا على وثيقة خطة مدتها خمس سنوات؛ تعهد فيها الجانبان "بمضاعفة جهودهما" لتطوير منطقة التعاون.
وقال ليو آي مين، رئيس مجلس إدارة شركة ((تيدا)) للاستثمارات الصينية-الأفريقية المحدودة، وهي الهيئة التشغيلية بمنطقة التعاون في مصر، "على الرغم من تدشين المنطقة منذ أكثر من عقد مضى، فإن الكثير من المساعي الجديدة للبلدين أعطت البرنامج مزيدا من الفرص خلال السنوات الأخيرة."
وتحدث كل من شي والسيسي إلى بعضهما البعض عدة مرات في السنوات الثلاث الماضية، حيث توصلا إلى توافقات واسعة إزاء التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق التي اقترحها شي في 2013 لتعزيز التنمية المشتركة على طول طرق الحرير البرية والبحرية التاريخية.
واقترح شي عدة مرات أن يعمل البلدان معا لجعل مصر محورا على طول الحزام والطريق. كما تعهد الرئيس الصيني بمشاركة الصين في المشروعات الرئيسية بمصر، بما في ذلك تطوير ممر قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية الجديدة.
وأعرب السيسي عن استعداد مصر لربط خطط التنمية لديها مع مبادرة الحزام والطريق، داعيا إلى ضخ مزيد من الاستثمارات الصينية في بلاده.
وتقع منطقة التعاون على بعد حوالي 50 كم فقط من العاصمة الإدارية الجديدة، وهي أيضا مكان التقاء الحزام والطريق ومشروع تطوير ممر قناة السويس.
وقال ليو أن البنية التحتية على مساحة 2 كم مربع من المرحلة الثانية قد تم الانتهاء منها، لافتا إلى أن ثماني شركات رائدة في هذا المجال موجودة هناك بالفعل، وذلك باستثمارات قدرها 200 مليون دولار، بما في ذلك مجموعة ((دايون)) الصينية العملاقة للدراجات النارية التي ستبدأ أعمالها رسميا خلال العام الجاري.
منافع محلية مذهلة
تعمل نهلة عماد (34 عاما) في منطقة التعاون منذ ما يقرب من عشر سنوات. وتشغل الآن منصب الرئيسة التنفيذية لشركة تيدا مصر لتنمية المنطقة الاقتصادية الخاصة، وهي الشركة المسؤولة عن الاستثمار والإدارة فيما يتعلق بتوسيع منطقة التعاون.
وأوضحت نهلة أن "الموظفين المصريين يمكن أن يصبحوا مسؤولين تنفيذيين، حيث يتم توفير قنوات الترقية لنا على نحو متساو"، مضيفة أنها تلقت "تدريبات متنوعة وسافرت كثيرا إلى الصين."
وبشكل رسمي، بدأت منطقة التعاون في البناء عام 2008. ولأكثر من عقد من الزمان، قدّمت المنطقة، بشكل مباشر، وظائف لأكثر من 3500 شخص وخلقت 30 ألف فرصة عمل من خلال الصناعات التي تستضيفها.
والأهم من ذلك، أن البرنامج يعد أهم مطوّر في منطقة قناة السويس الاقتصادية التي نجحت في جذب استثمارات من الشركات الكبري العالمية، حسبما قال اللواء علاء عبد الكريم مستشار الهيئة الاقتصادية لقناة السويس.
وعلى سبيل المثال، في أغسطس 2018، نجحت شركة ((جوشي)) الصينية العملاقة لصناعة الألياف الزجاجية، التي قُدمت إلى مصر عبر منطقة التعاون، في بناء قاعدة لإنتاج 200 ألف طن من الألياف الزجاجية، ما يجعل مصر من أكبر منتج للألياف الزجاجية في العالم.
ومن جانبه، قال تشانغ يوي تشيانغ، رئيس مجموعة ((جوشي))، إن هذا ليس مجرد علامة فارقة في خطة ((جوشي)) "للتوجه للعالمية" بل يعد إنجازا مهما ومثالا ناجحا للتعاون الاقتصادي بين الصين ومصر.
وقد أكد شي خلال السنوات الثلاث الماضية على ضرورة تركيز الصين ومصر على التعاون في بناء البنية التحتية والقدرة الإنتاجية.
وفي مرحلتها الأولى بشكل أساسي، نجحت منطقة التعاون في مساعدة مصر في إقامة وإكمال صناعات في مواد البناء الجديدة والمعدات البترولية ومعدات الجهد العالي والمنخفض وتصنيع الآلات. وستشهد المرحلة الثانية تطوير صناعات جديدة مثل صناعة سيارات الركاب والمنسوجات والملابس.
ولفت ليو إلى أنه خلال العقد الماضي، اجتذب برنامجه استثمارات تتجاوز المليار دولار حيث بلغ إجمالي قيمة الإنتاج نحو 1.2 مليار دولار. وجرى دفع أكثر من مليار جنيه مصري (نحو 56 مليون دولار) من الضرائب للدولة المُضيفة.
مجتمع متكامل
وتعد مدينة الملاهي (تيدا فن فالي) الواقعة في منطقة التعاون علامة بارزة أيضا على برنامج التعاون، إذ تستقطب عشرات الآلاف من الزوار سنويا.
وفي مصر، عادة ما تسمى منطقة التعاون "تيدا". وفي الرأي العام المصري، لا تمثل ((تيدا)) اسم الشركة المشغلة للمنطقة فحسب، بل تعد أيضا نوعا من نمط التنمية.
وتعد تيدا (TEDA) اختصارا لمنطقة تيانجين للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، التي تقع على بعد حوالي 150 كم إلى الشرق من العاصمة الصينية بكين ويحدها بحر بوهاي من الشرق.
لقد كانت المنطقة أرضا من التربة المالحة القلوية، ولكنها صارت الآن مدينة صناعية حديثة يبلغ إجمالي ناتجها المحلي السنوي أكثر من 44 مليار دولار بعد أكثر من 30 عاما من التطوير. وفي تسعينيات القرن الماضي، وباعتبارها مشروعا وطنيا، قررت الصين مساعدة مصر في بناء منطقة السويس الاقتصادية.
وفي ظل وجود ظروف جغرافية مماثلة، أصبحت ((تيدا))، هيئة لتشغيل المشروع. وبالإضافة إلى كونها مجموعة من الشركات الصناعية، سيتم تحويل منطقة التعاون إلى مدينة بها مجموعة من المرافق الداعمة مثل المطاعم ومحلات السوبر ماركت. ومن المقرر أيضا إقامة مناطق سكنية تجارية ومركز تسوق.
وبالنسبة لعبد الباقي، تبدو منطقة التعاون وكأنها موطنه الذي يعطيه شعورا بالانتماء.
وأوضح عبد الباقي الذي يرغب في جلب عائلته إلى هنا في المستقبل أن "تيدا مكان يعتني بجميع تفاصيل حياتك اليومية."
وبالنسبة لعبد الكريم، خلقت ((تيدا)) "مجتمعا تنمويا متكاملا، وليس مصانع فقط."
وبفضل تجارب ((تيدا)) الخاصة التي جرى تطبيقها في منطقة التعاون، "ستنمو مدينة حيوية جديدة قريبا في الصحراء على شاطئ البحر الأحمر"، حسبما قال تشانغ بينغ جون، رئيس مجلس إدارة شركة ((تيدا)) القابضة المحدودة للاستثمار.