النص الكامل لخطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في الجلسة الافتتاحية لقمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس
ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابا بعنوان "استشراف آفاق المستقبل وتوجيه الاقتصاد العالمي في الاتجاه الصحيح" هنا يوم الجمعة في الجلسة الاولى للقمة الـ13 لمجموعة العشرين.
وفيما يلي النص الكامل للخطاب:
استشراف آفاق المستقبل وتوجيه الاقتصاد العالمي في الاتجاه الصحيح
خطاب فخامة الرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية
في الجلسة الأولى لقمة مجموعة العشرين
بوينس آيرس، 30 نوفمبر 2018
الرئيس ماوريسيو ماكري
زملائي الأعزاء،
إن عشر سنوات قد مضت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية وانعقاد القمة الأولى لمجموعة العشرين. واليوم، مازال الاقتصاد العالمي، رغم حفاظه على النمو بشكل عام، مازال لا يخلو من الآثار الكامنة للأزمة. ولا يزال يتعين تغيير محركات النمو القديمة وإحلال أخرى جديدة محلها. وتتراكم مختلف المخاطر بوتيرة سريعة. وتؤدي الجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي إلى تغييرات عميقة، وتواصل فجوة الثروة اتساعها، وتتنامي التناقضات الاجتماعية. ويواجه الاقتصاد العالمي حاليا خيارا تاريخيا آخر.
وقد نبه فيلسوف صيني قديم إلى أن "استعراض الماضي يمكننا من معرفة القانون الذي يحكم تطور التاريخ". ولابد لنا نحن أعضاء مجموعة العشرين من أن نتبع عن كثب الاتجاه التاريخي الأساسي حتى نرسم المسار للمستقبل. وفي سعى البشرية الدؤوب إلى التنمية والتقدم، يعد الاتجاه نحو الانفتاح والتكامل بين البلدان أمرا لا يمكن إيقافه رغم التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. فالسلسلة الصناعية وسلسلة القيمة وسلسلة التوريد الآخذة في النمو والاتساع على الدوام عززت من تدفق عوامل الإنتاج في أنحاء العالم وساهمت في انتشال عدة مليارات من الناس من الفقر وتوجيههم نحو الرخاء. وإن تحقيق قدر أكبر من التنسيق والتكامل بين الدول يلبي الحاجة إلى نمو الإنتاجية. كما سيشكل ملامح مستقبل علاقات الإنتاج. وفي هذه العملية، تتحول البلدان بشكل متزايد إلى مجتمع ذي مصالح مشتركة ومسؤوليات مشتركة ومستقبل مشترك. ومع المضى قدما، يعد التعاون القائم على الفوز المشترك الخيار الوحيد بالنسبة لنا، سواء كان ذلك في أوقات الشدة أو الرخاء. هذا ما يمليه قانون الاقتصاد، ويتماشي مع تطور التاريخ البشري. وأمام مختلف التحديات، لابد أن يكون لدينا شعور أقوى بمدى الإلحاحية، ونكون عقلانيين في النهج، ونستشرف آفاق المستقبل. وعلينا الاضطلاع بمسؤوليتنا وتوجيه الاقتصاد العالمي في الاتجاه الصحيح.
لقد ولدت مجموعة العشرين من حاجة المجتمع الدولي إلى الحفاظ على نمو مستقر للاقتصاد العالمي. وعلى مدى العقد الماضي، واجهنا الصعوبات معا وأخرجنا الاقتصاد العالمي من حالة الركود وقمنا بإعادته إلى مسار الانتعاش والنمو. وبعد عشر سنوات، دعونا نعمل بنفس الرؤية الشجاعة والإستراتيجية ونضمن نمو الاقتصاد العالمي على المسار الصحيح.
أولا، ينبغي علينا أن نظل ملتزمين بالانفتاح والتعاون ومتمسكين بالنظام التجاري متعدد الأطراف. فمنذ خمس سنوات عندما شاركت في قمة مجموعة العشرين لأول مرة، دعوت إلى بذل جهود مشتركة لدعم وبناء اقتصاد عالمي مفتوح. وبعد مرور خمس سنوات، أصبحت هذه بكل بوضوح مهمة أكثر إلحاحا بالنسبة لنا. فعدد الإجراءات الجديدة المقيدة للتجارة والمطبقة على أساس شهري بين أعضاء مجموعة العشرين تضاعف مقارنة بالأشهر الستة الماضية. وفي عام 2018، قد ينخفض نمو تجارة السلع بنسبة 0.3 في المائة على مستوى العالم. وينبغي علينا أن ندعم بحزم التجارة الحرة والنظام التجاري متعدد الأطراف والقائم على القواعد. وتدعم الصين الإصلاح الضروري لمنظمة التجارة العالمية، وترى أنه من الأهمية بمكان الحفاظ على القيم الجوهرية والمبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية مثل الانفتاح والشمول وعدم التمييز وضمان المصالح الإنمائية وحيز السياسة العامة للبلدان النامية. ونحن بحاجة إلى إجراء مشاورات واسعة لتحقيق تقدم تدريجي بدلا من فرض موقف فرد ما على الآخرين.
ثانيا، ينبغي علينا أن نقيم شراكة قوية ونكثف من تنسيق السياسات الكلية. فالشراكة هي أقيم أصول مجموعة العشرين. وينبغي علينا نحن أعضاء مجموعة العشرين العمل معا للتغلب على أي صعوبات تقف أمامنا في المستقبل. ينبغي علينا توظيف الأدوات الثلاث المتمثلة في السياسات المالية والسياسات النقدية والإصلاح الهيكلي بطريقة شاملة لضمان تحقيق نمو قوي ومتوازن ومستدام وشامل للاقتصاد العالمي. كما إن تعزيز تنسيق السياسات، وهو أمر ضروري للنمو العالمي، يعد أيضا مسؤولية واجبة تقع على عاتق الاقتصادات الكبرى. وينبغي على الاقتصادات المتقدمة، عند اعتماد السياسات النقدية والمالية، إيلاء مزيد من الاهتمام لتأثير مثل هذه السياسات على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية والعمل على تقليل هذا التأثير إلى أدنى حد. وينبغي اختتام الاستعراض العام الـ15 للحصص بصندوق النقد الدولي في موعده المحدد. وينبغي أن يصبح النظام النقدي الدولي أكثر تنوعا، وينبغي مواصلة تعزيز شبكة الأمان المالي العالمية.
ثالثا، ينبغي علينا أن نظل ملتزمين بالابتكار ونخلق زخما جديدا للنمو. فالاقتصاد العالمي يحتضن حاليا اتجاه التحول الرقمي، والجولة الجديدة من الثورة الصناعية ستعيد تشكيل ملامح المجتمع البشري بطرق عميقة. وينبغي علينا تشجيع الابتكار والاستفادة من دور الاقتصاد الرقمي في تنمية الاقتصاد الحقيقي. نحن بحاجة إلى مراقبة المخاطر والتحديات التي يجلبها تطبيق التكنولوجيات الجديدة، وتعزيز الإطار القانوني والتنظيمي. ونحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز التعليم والتدريب المهني. وعلينا إعطاء الأولوية لتحقيق التنمية من خلال الاستفادة الكاملة من إمكانات الابتكار لدينا. وفي الوقت ذاته، نحن بحاجة أيضا إلى إبقاء أبوابنا مفتوحة والتشجيع على انتشار التكنولوجيات الجديدة والمعرفة حتى يعود الابتكار بالفائدة على مزيد من البلدان والشعوب. ومن أجل التكيف بشكل أفضل مع الابتكار التكنولوجي وتوجيهه، أقترح أن تجرى مجموعة العشرين دراسة معمقة حول تطبيق التكنولوجيات الجديدة وتأثيرها على أساس الأولويات لاستكشاف الفكر الجديد والسبل الجديدة للتعاون في هذا المجال.
رابعا، ينبغي علينا أن نظل ملتزمين بالتعاون القائم على الفوز المشترك لتعزيز التنمية العالمية الشاملة. فالتنمية هي السبيل إلى حل العديد من المشكلات التي تواجه العالم اليوم. كما توفر التنمية ضمانة قوية لتحقيق مزيد من الإنصاف والعدالة. ونحن بحاجة إلى مواصلة إتباع فلسفة التنمية التي تركز على الشعب والسعي إلى إيصال إحساس بالإنجاز والسعادة والأمن لشعوبنا. ونحن بحاجة إلى مواصلة إعطاء الأولوية للتنمية عند تنسيق السياسات الكلية العالمية، وتنفيذ أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 بجدية، وإعطاء دعم قوي للعمل في هذا المجال في إطار الأمم المتحدة. وينبغي علينا حماية المصالح والفضاء التنمويين للدول النامية لضمان أن يصبح النمو العالمي منصفا حقا. وعلينا مواصلة دعم تنمية إفريقيا من خلال مساعدتها في قطاعاتها الخاصة بالبني التحتية وتشييد وسائل الربط والتصنيع الجديد.
زملائي الأعزاء،
يصادف هذا العام الذكرى الـ40 لبدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين. وخلال الـ40 عاما الماضية، وبدعم من المجتمع الدولي، مضينا نحن في الصين قدما بمثابرة وحققنا إنجازات تاريخية في التنمية. وفي السنوات التي تلت الأزمة المالية العالمية، ساهمت الصين بأكثر من 30 في المائة من النمو العالمي. ويكمن هدفنا في القضاء على الفقر المدقع، كما هو محدد حاليا، بحلول عام 2020، ولدينا كل الثقة في قدرتنا على تحقيق هذا الهدف. وترجع الصين الفضل في تقدمها إلى سياسة الإصلاح والانفتاح، وستواصل المضى على هذا الدرب. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أقيمت بنجاح الدورة الأولى من معرض الصين الدولي للواردات الذي استقبله العالم بترحيب حار. وستواصل الصين تعميق الإصلاح الموجه نحو السوق، وحماية حقوق الملكية وحقوق الملكية الفكرية، والتشجيع على المنافسة العادلة، والقيام بالمزيد لتوسيع الواردات. وسوف يقام معرض الصين الدولي للواردات سنويا كوسيلة لمواصلة فتح السوق الصينية. وفي أحدث تقرير أعده البنك الدولي عن ممارسة الأعمال، صعدت الصين 32 مركزا في ترتيب الدول الأكثر تسهيلا لممارسة الأعمال خلال العام الماضي. وستواصل الصين تحسين مناخ الأعمال لديها، وتأمل في أن تعمل جميع الدول معا من أجل بيئة اقتصادية دولية حرة ومنفتحة وشاملة ومنظمة.
شكرا لكم.