الأحجار تكتب أسطورة جديدة على طول طريق الحرير البحري

التاريخ: 2018-11-15 المصدر: شبكة شينخوا
fontLarger fontSmaller

كانت مدينة تشيوانتشو الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي للصين المحور الأكثر ازدحاما على طول طريق الحرير البحري خلال عهد أسرتي سونغ ويوان الإمبراطوريتين، لتضاهي في سمعتها ميناء الإسكندرية بالبحر الأبيض المتوسط من وجهة نظر الرحال ماركو بولو.

وفي ذلك الوقت، تدفق عدد لا يحصى من السفن التجارية من أنحاء العالم إلى ميناء جينجي تحت سفح جبل جيوري بضاحية تشيوانتشو. وكلما أبحرت السفن، قام مسؤولو تشيوانتشو بمراسم الصلاة والتضرع حتى تكون ظروف الرياح مناسبة ولتنعم السفن بالسلام وسجلوا ذلك على الحجر، حيث لا تزال هنالك 13 قطعة من الأحجار تحكي قصص طرير الحرير البحري.

وبعد مرور مئات السنين التي تراجع خلالها نشاط الميناء، عادت محافظة نانآن في تشيوانتشو من جديد لتصبح ميناء تجاريا نابضا بالحياة على طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، وكانت كلمة السر في تلك العودة هي الأحجار.

والمثير للدهشة أن محافطة نانآن ليست المصدر الرئيسي للأحجار، فهي لا تنتج الرخام ولا الجرانيت.

وحتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، اعتمدت بلدة شويتو في محافظة نانآن بشكل رئيسي على الزراعة وصيد الأسماك. وبينما كان دخل السكان منخفضا، اختار بعض الناس أن يعملوا في شركات الجرانيت المجاورة من أجل كسب الرزق. غير أن الفرصة الحقيقية التي وجدها أهالي نانآن كانت في أماكن أخرى.

فقد بدأ تجار محليون في محافظة نانآن يذهبون إلى الهند وتركيا وإيران واليونان وغيرها من الدول الأخرى على طول طريق الحرير البحري للبحث عن الأحجار منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، ونقلوها عبر طرق بحرية إلى الصين لمعالجتها وتصنيعها، ثم إعادة بيع تلك المنتاجات الحجرية إلى الأسواق الضخمة حول العالم.

وتمت إقامة 19 دورة من معرض الصين الدولي للأحجار بشويتو في محافظة نانآن بشكل مستمر منذ عام 1999 ليصبح أكبر معرض دولي للمواد الحجرية في الصين من حيث النطاق وعدد الأكشاك، حسبما أفاد منظمون.

ووُقع ما إجماليه 1951 عقدا للشراء والبيع، فيما شكلت الطلبيات التجارية الخارجية 26.2 بالمائة منها، بقيمة تبلغ 449 مليون دولار أمريكي أثناء الدورة الـ18 للمعرض المذكور الذي استمر لأربعة أيام من 7 إلى 11 نوفمبر عام 2017.

وبفضل جهود تجار الأحجار والترويج لمعرض الصين الدولي للأحجار بشويتو، صارت محافظة نانآن أكبر مركز لصنع وتجارة الأحجار والمواد الحجرية الخام والخدمات اللوجستية في الصين وحتى جنوب شرق آسيا، حيث يمثل حجم الاستيراد والتصدير للأحجار 60 بالمائة و55 بالمائة على التوالي من الإجمالي الوطني. وتنطلق تجارة الأحجار من نانآن إلى أكثر من 130 دولة ومنطقة، كما باتت بلدة شويتو تعرف بأنها "العاصمة الدولية للأحجار".

ويوجد في محافظة نانآن تقريبا جميع أصناف الأحجار في العالم: "الرمادي الفارسي" و"الأبيض العربي " و "البيج الإسباني" و"الأحمر الهندي" ... كما أن هناك آلاف الأطنان من الأحجار والمنتجات النهائية القادمة من الميناء وإليه كل يوم، حيث بات المشهد أكثر ازدحاما مما كان عليه قبل ذلك.

وشأنهم شأن المستكشفين، يسافر تجار نانآن إلى جميع أنحاء العالم للعثور على الأحجار، حيث تُذكِّر آثار أقدامهم بالتبادلات الوثيقة على طول طريق الحرير البحري قبل ألف سنة.

وقال ليو ليانغ، رئيس مجموعة يينغليانغ، وهو أحد الأعضاء المهمين في "فريق الاستكشاف" للأحجار، إنه لمعجزة أن تتحول بلدة شويتو من بضعة عشر مصنعا صغيرا إلى محور للتجار من كل أنحاء العالم.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت مبادرة "الحزام والطريق" في الصين فرصة جديدة لبلدان حول العالم. فمجموعة يينغليانغ التي تتمسك بمفهوم "طريق الحرير" على سبيل المثال، لم تقم بإنشاء قواعد خارجية في روسيا ودبي فحسب، بل تستثمر في المناجم التركية والإيرانية أيضا.

وتابع ليو قائلا إن "الحزام والطريق" قد وفر آفاقا مشرقة لتنمية مجموعته.

كما أنشأت شركات الأحجار في محافظة نانآن، بما فيها شركة شين دونغ يوان وشركة أولي، أول مكتبة تتعلق بالأحجار في العالم في تركيا لتعزيز صورتها في الدولة المصدرة للرخام.

وذكر أحد المسؤولين من اللجنة المنظمة لمعرض الصين الدولي للأحجار أن مبادرة "الحزام والطريق" تساهم في تعزيز التعاون الدولي لصناعة الأحجار وتحقيق التحول من استيراد البضائع وتصديرها إلى انتقال الأفراد والاستثمارات والتعاون في بناء المشروعات.

ومن المقرر أن تعمل اللجنة المنظمة للمعرض على تسريع عملية تحويل وتحديث صناعة الأحجار علاوة على جعلها تخرج من الصين في شكل علامة تجارية مميزة.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت تجارة الأحجار في محافظة نانآن فرصا سانحة للتجار الأجانب. فقد أتى ماوسين، رئيس مجموعة هوما الإيرانية للتعدين، إلى الصين للدراسة في الجامعة عام 1996، ثم بقي بعد تخرجه. وبدأ يحب الحجر ويعمل في تجارته متأثرا بأصدقائه الصينيين في عام 2002. وظل ماوسين يثابر على هذه التجارة لأكثر من عشر سنوات رغم الصعوبات التي تواجهه.

ويملك تاجر الأحجار التركي عدنان، منجمين، فيما بدأ يبحث عن شركاء في الصين منذ عشر سنوات، ويعتقد أن "الصين هي أكبر سوق للرخام".

وقال عدنان: "استخرجت مؤخرا نوعا من الرخام الأبيض، وبكل تأكيد يحبه الصينيون"، فيما أطلق على الشركة المسؤولة عن التعدين اسم "طريق الحرير".

وباتت تربط الأحجار تربط محافظة نانآن بالعالم وأضحت وسيلة للتعرف والتفاهم المتبادل.

وخلال جولته في معرض الصين الدولي للأحجار بشويتو، لاحظ مراسل "شينخوا" أن عددا غير قليل من تجار الأحجار الأجانب سبق لهم الدراسة والعيش في الصين وقادرون على تكلم اللغة الصينية بصورة جيدة. كما قال شاب يدعى علي من تركمانستان، إن عددا متزايدا من الصينيين يتعرفون على بلاده عن طريق تجارة الأحجار.

وأشار وانغ تشينغ آن، رئيس جمعية الأحجار في محافظة نانآن، إلى أن الدورة الـ19 للمعرض هذا العام كشفت عن اتجاهين رئيسيين في تطوير صناعة الحجر: الاتجاه الأخضر والاتجاه الثقافي.

وأكد وانغ على ضرورة التنمية الخضراء لصناعة الحجر، مضيفا أنه يجب على الناس تعدين وإنتاج واستخدام الأحجار بشكل أخضر، تلبية لدعوات حماية البيئة وسعيا لتحقيق تنمية عالية الجودة ومستدامة.

ومن ناحية أخرى، اكتسبت الأحجار قيمة ثقافية جديدة نظرا لتحولها من مجرد الاستعمال كمادة للبناء إلى الاستخدام في الديكور المنزلي والمنتجات الفنية. وتستخدم الأحجار حاليا في صناعة الثياب وأغطية المصابيح والساعات والحقائب الجلدية والكعب العالي ... وبات هذا هو مستقبل الحجر في نظر السكان المحليين.

وكانت مدينة تشيوانتشو لديها مثل يقول "في الشوارع كثير من الأجانب" وقت ازدهار طريق الحرير البحري القديم. أما في الوقت الحاضر، فيعود "الأجانب" إليها مرة أخرى سعيا لتحقيق أحلامهم مع تعميق التعاون في صناعة الأحجار. 

تحرير: تشي هونغ