تحقيق إخباري: التجارة والقطارات والكهرباء إسهامات مبادرة الحزام والطريق لأمريكا اللاتينية
في أكتوبر عام 1565، وصلت إلى أكابولكو بالمكسيك، أول سفينة شراعية كبيرة من مانيلا، حاملة بضائع صينية. وهكذا، ظهرت للمرة الأولى في الأمريكتين، بضائع صينية مثل الحرير والخزف ومنتجات قطنية.
لقد وصل الطريق التجاري البحري مانيلا-أكابولكو إلى موانئ الصين في مطلع القرن الـ19، محققا تغيرات عديدة في اقتصاد وحياة المحليين في أمريكا اللاتينية، تاركا آثارا يمكن رؤيتها حتى اليوم في بيرو وبنما وتشيلي وغواتيمالا وإكوادور والأرجنتين.
وبنهاية القرن الـ18، أسهمت التجارة المزدهرة في تحويل أكابولكو من قرية ليس فيها سوى 250 عائلة إلى مدينة ميناء يقطنها أكثر من 4000 شخص، وفقا لسجلات تاريخية. وأظهرت وثيقة من البرلمان الإسباني عملية تصنيع وحياكة خيوط حريرية خام من الصين، أسهمت في خلق 14 ألف فرصة عمل بالمكسيك خلال عام 1637 وحده.
اليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه في وقت أصبحت فيه العديد من دول أمريكا اللاتينية امتدادات طبيعية لطريق الحرير البحري للقرن الـ21، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق المقترحة من الصين. وتظهر فرص تنموية متزايدة واعدة بالرخاء في عالمنا المتزايد التكاملية.
ميناء أكبر وتجارة أكثر
هذه المبادرة التي اقترحت عام 2013، تشير إلى الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21، وتهدف إلى بناء شبكات تجارة وبنى تحتية تربط آسيا وأوروبا وأفريقيا، على طول مسارات التجارة على طريق الحرير العريق.
تضع مجموعة ((لاندبريدج)) الصينية مشروعا استثماريا طموحا لتوسيع أكبر ميناء في جزيرة مارغريتا البنمية، وتحويله إلى محور حاويات عالمي. إنه المشروع الذي جذب الكثير من المحليين للعمل فيه، ومنهم سيزار زيبيدا.
زيبيدا منهمك حاليا في العمل مع المجموعة الصينية، في موقع البناء لتوسعة الميناء. وبعد تحديثه، سيكون هذا الميناء الواقع عند مدخل قناة بنما، الميناء الوحيد الحاوي على مراسي سفن، تستقبل 150 ألف حاوية.
قال زيبيدا إنه رغم حاجز اللغة واختلاف الخلفية الثقافية، لكنه لم يجد صعوبة في التأقلم مع بيئة العمل مع الشركة الصينية. ويشعر بتأثر بالغ لثقافة العمل فيها، حيث تشجع على الإبداع والكفاءة والمعيارية وحماية البيئة والتواصل الاجتماعي.
وأضاف أنه من الرائع أن الصينيين يحترمون المحليين وتقاليدهم.
نقل أسرع وأرخص بالقطارات
بالنسبة للمهندس الأرجنتيني فيدريكو كاريرا، يبدو الأمر رائعا وهو يرى قطارات جديدة تنطلق على خطوط حديثة على أراض منخفضة عشبية بالأرجنتين. ويؤكدا أن الشعب الأرجنتيني له علاقة خاصة مع القطارات.
وقال "الأرجنتين بلد نما من محطات وخطوط السكك الحديدية، وأينما تكون هناك محطة سكك حديدية، تكون بلدة. وتخلف السكك الحديدية قد يعكس حالة من التباطؤ الاقتصادي وصعوباته."
في عام 2011، أعلنت الحكومة الأرجنتينية عن خطة لتحديث منظومة السكك الحديدية بالبلاد. وفي عام 2013، وقعت مؤسسة الهندسة الميكانيكية الصينية عقدا، لتحديث سكك الحديد في بلغرانو، وساهم هذا التحديث في زيادة سرعة القطارات بين شمالي الأرجنتين وميناء روزاريو النهري في شرقي البلاد.
قال جيرمان هاناسيك، مساعد مدير شركة بلغرانو المملوكة للدولة، للشحن بالقطارات والخدمات اللوجيستية "مع تطور السلامة والسرعة، عاد عملاؤنا وازدادوا"، مضيفا "وعندما يحين موسم الحصاد، سيكون هناك المزيد والمزيد من الشحن. وكالمعتاد، فإن الطحين وفول الصويا تنقل عبر القطارات إلى الموانئ."
إنارة الطريق لحياة أفضل
لم يكن طريق الحرير مجرد ممر يربط الأرجاء، بل أسهم أيضا في تغيير حياة الناس للأفضل. وتمثل مبادرة الحزام والطريق التعاون المزدوج المنفعة والترابط في العديد من المجالات، وخلق المزيد من فرص العمل والتجارة للمحليين وجلب المزيد من التقنيات الحديثة وتحقيق حياة أفضل.
حاليا، وفي مكان قريب من أكروس في ولاية ميناس غيرايس البرازيلية، يعمل برازيليون في تشييد برج محطة كهربائية. إنه واحد من العديد من مواقع البناء لمحطة بيلي مونتي الهيدروليكية، التي تعتبر ثاني أكبر محطة من نوعها في البرازيل، والرابعة في العالم.
هذا المشروع يستخدم تكنولوجيا ببراءة اختراع صينية مخصصة لخطوط نقل الكهرباء ذات الفولتية العالية جدا، للتيار المباشر، وهي تقنية نادرة بالعالم. وحالما تكتمل المرحلة الأولية للمشروع، ستكون شركة الكهرباء الوطنية الصينية، المقاول العام الوحيد للمرحلة الثانية من المشروع والمتضمنة بناء خطوط طاقة يبلغ طولها الإجمالي 2518 كم.
ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع حال اكتمال مرحلتيه الأولى والثانية، في تخفيف كبير لشح الطاقة في جنوب وجنوب شرق البرازيل، موفرا "طريقا سريعا للطاقة" من جنوب ابلاد إلى شمالها من أجل تلبية احتياجات الطاقة لعشرات ملايين السكان في هذا البلد.
قال سيفرينو كابرال، رئيس المعهد البرازيلي لدراسات الصين وآسيا-الباسيفيك "لقد تم إكمال خطين من خطوط الطاقة بالفولتية العالية جدا، وساهما في معالجة أزمات صناعية ومدنية في شرقي البرازيل."
وأضاف "إن أبراج الطاقة الكهربائية وخطوطها تمثل شاهدا على التعاون الوثيق بين شعبنا والشعب الصيني."
قال ألدو كامارغو، أحد العاملين في موقع المشروع قرب أكروس، متساءلا بثقة "هل تعني فريق العمل البرازيلي أم الصيني؟ من الصعب الفصل هنا. نحن نعمل معا ونتعاون وندعم بعضنا بعضا، وهذا يضمن سلاسة عملنا، وهو سر نجاحنا."
وبالنسبة للعاملين البرازيليين، فإنهم يشعرون بتشجيع كبير في ظل حقيقة أن الإدارة الصينية تشركهم في النقاش واتخاذ العديد من القرارات المتعلقة بالمشروع وخطوات تنفيذه.
قال جيو تاو، وهو مدير مشروع صيني "إن البرازيليين يعرفون الأحوال واللوائح المحلية، وهم يتواصلون مع بعضهم البعض بصورة أفضل. ونحن نؤدي دورنا فقط في إدارة رأس المال والتخطيط الاستراتيجي."