مقالة خاصة: مبادرة الحزام والطريق تولد شغفا متزايدا بالصين بين شباب الشرق الأوسط
أثارت مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين حماسا شديدا بين شباب الشرق الأوسط لتعلم اللغة الصينية وفهم المزيد عن الثقافة الصينية.
وثمة اتجاه متنامي أيضا بين الطلبة في بلدان الشرق الأوسط إلى السعي للالتحاق بالتعليم في الصين، لكي يصبحوا أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل ولكي يساعدهم ذلك على تحقيق أحلامهم المستقبلية.
-- فرص تضئ على طريق الحرير
في الوقت الحاضر، صار من الشائع أن يتوجه مواطنون من بلدان الشرق الأوسط إلى الصين سعيا للحصول على فرص تعليمية قصيرة أو طويلة المدة، حيث تعمل مبادرة الحزام والطريق على تعزيز تبادلات الأفراد.
وقد ذكرت السفارة الصينية في الأردن أنه في عام 2017، تمتع حوالي 305 مواطنين أردنيين بفرص تدريبية في الصين، بزيادة على أساس سنوي نسبتها حوالي 23 في المائة. وفي الوقت الحالي، يجرى الالتحاق بـ39 برنامجا تعليميا ذي درجات أكاديمية لعام 2018.
أما المراهقة الإيرانية حميدة فارد، التي ولدت ونشأت في الكويت، فقد قررت الدراسة في الصين في أغسطس 2011 عندما بلغت من العمر الـ18 ربيعا. وقالت إنه كان القرار الصحيح، لأن الدراسة في الصين أتاحت لها تجربة لا تنسى.
ولم تكن حميدة تعرف في البداية سوى القليل عن الصين، ولكنها تمكنت من إنهاء دراستها في جامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا الكائنة بمدينة ووهان في وسط الصين. كما أقنعت شقيقها بالالتحاق بالجامعة في الصين.
وبعد الدراسة في الخارج لمدة ست سنوات، صارت حميدة فارد مهووسة تماما بالصين. ولم تصبح معتادة على الطعام والمناخ الصيني فحسب، وإنما زارت أيضا أكثر من 20 مدينة صينية.
وعادت حميدة فارد إلى والديها في الكويت في يناير 2018. وتمكنت من إيجاد فرصة عمل بعد أقل من 20 يوما فقط من عودتها إلى هناك بفضل مهاراتها في اللغة الصينية.
فقد أرسلت سيرتها الذاتية عبر الويتشات، وهو تطبيق للتواصل شائع الاستخدام في الصين، ولفتت انتباه العديد من الشركات. واختارت حميدة فارد في النهاية شركة هواوي الصينية، وهي مزود عالمي للبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأجهزة الذكية. وها هي تعمل الآن كمنسقة تسليم المنتجات المسؤولة عن تعزيز الأعمال التجارية مع الموزعين المحليين.
وبينما توفر مبادرة الحزام والطريق فرصا تنموية للعديد من أبناء بلدان الشرق الأوسط، تتيح أيضا فرصة لهم لمعرفة الصين وفهمها. وقالت حميدة فارد إن عملها يعطيها الفرصة ليس لتقديم المنتجات الصينية فحسب، وإنما أيضا لتعريف السكان المحليين بالثقافة والمفاهيم الصينية، ما جعلها "سفيرة غير رسمية".
-- مهارات لبناء الأحلام
وفقا للكتب القديمة، كانت عُمان واحدة من نقاط انطلاق السفن التجارية الشرق أوسطية متوجهة إلى الصين في العصور القديمة. والآن، تساعد الشركات الصينية عُمان على إنشاء نقطة انطلاق جديدة على طول طريق الحرير القديم.
وتبلغ مساحة المنطقة الصناعية الصينية العمانية (الدقم)، التي أسستها شركة وانفانغ المحدودة لإدارة الاستثمارات (نينغشيا)، حوالي 12 كلم مربع. وتعتبر أكبر منطقة صناعية تقوم دولة واحدة بالاستثمار فيها في عُمان وأيضا أكبر منطقة صناعية تقوم الصين بالاستثمار فيها بين الدول العربية لتعزيز التعاون في القدرة الإنتاجية.
وقال شا يان جوي مدير المنطقة إنه بالتعاون مع الحكومة العمانية، تختار المنطقة مجموعة من خريجي المدارس الثانوية سنويا وترسلهم للدراسة في الصين بتمويل من المنطقة. وتعتزم تدريب ألف طالب للعمل في عُمان خلال السنوات من الثماني إلى العشر المقبلة.
وفي يونيو 2018، عادت الدفعة الأولى المؤلفة من 39 طالبا دوليا عُمانيا إلى عُمان بعد الانتهاء من التدريب المهني في جامعة نينغشيا للعلوم التقنية. وسوف ينهون تدريبهم الميداني خلال بقية الفصل الدراسي، ثم يبدأون العمل في المنطقة الصناعية.
وقال الطالب الأجنبي سعيد علي إن الصين دولة ذات حضارة قديمة ونظام صناعي كامل وتكنولوجيات متقدمة. وقد عرف الكثير عن التراث الثقافي الصيني العريق وتعلم المهارات التقنية اللازمة لتنمية المجتمع الحديث.
وفي الشرق الأوسط، أثارت مبادرة الحزام والطريق أيضا "حمى اللغة الصينية" و"حمي الصين" في بعض الجامعات. وها هو أحمد فوده المتخصص في دراسة اللغة الصينية بجامعة عين شمس المصرية يسير في هذا الاتجاه الذي غير حياته.
ولأحمد فوده البالغ من العمر 23 عاما اسم صيني وهو "دا وي". ونظرا لكونه يدرس الصينية، فقد سافر إلى الصين. وقبل أن يصبح مذيعا في برنامج تليفزيوني في تيانجين لمدة ثلاثة أشهر، كان يقوم بتعليم اللغة الإنجليزية لطلبة المدارس الثانوية كمتطوع.
وفي أغسطس 2016، أصبح دا وي الحائز على المركز الثاني على مستوى العالم والمركز الأول على مستوى منطقة إفريقيا في الجولة النهائية من مسابقة "جسر اللغة الصينية"، وهي مسابقة في إتقان اللغة الصينية لطلبة الجامعات الأجانب. وانضم لأحد فروع الإعلام الصيني في مصر ويعتزم الدراسة للحصول على درجة الماجستير في الصين.
وقال دا وي إنه تعلم الصمود والمثابرة من أصدقائه الصينيين خلال سنوات دراسته للصينية.
وأشار بقوله "ذات مرة فشلت وشعرت بالإحباط وصرت مرتبكا. ولكني في النهاية فهمت الحقيقة التي مفادها أنه لا يوجد حدود للتعلم، ولهذا فإنني مازلت متمسكا بحلمي في اللغة الصينية بشجاعة وإصرار"، مضيفا أن هناك العديد من المغرمين بالصين مثله في البلدان العربية وهناك عددا متزايدا من العرب الذين يحبون الصين.
-- التبادلات الشعبية
لقد ازداد الشغف إلى تعلم اللغة الصينية ومعرفة الثقافة الصينية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مع اكتساب مبادرة الحزام والطريق لمزيد من شركاء التعاون.
ويشهد حسن رجب مدير معهد كونفوشيوس بجامعة قناة السويس هذا الحماس بشكل مباشر.
وقال رجب، الذى كان بين الدفعة الأولى من خريجي الجامعات المصرية في تخصص اللغة الصينية، إنه لم يكن لديه سوى ستة زملاء فقط وثلاثة معلمين أثناء دراسته للغة الصينية في كلية الألسن بجامعة عين شمس.
وواصل رجب دراساته في الصين وحصل على الدكتوراه في الأدب الصيني عام 1995. وقام على تدريس اللغة الصينية بجامعة عين شمس قبل العمل في معهد كونفوشيوس بجامعة قناة السويس.
وأشار رجب إلى أنه في عام 2018، تقدم أكثر من 300 طالب بطلبات للدراسة في قسم اللغة الصينية بكلية الألسن جامعة قناة السويس التي خططت لقبول 30 طالبا فقط، مضيفا أنه في أنحاء البلاد، انضم حوالي 600 آخرين إلى معهد كونفوشيوس في عام 2017.
وقال إن معهد كونفوشيوس ليس للغة فحسب، مضيفا أن العديد من الشركات الصينية في مصر تتجه إليه للتعاقد مع موظفين يتحدثون الصينية.
وذكر رجب أنه عندما تنمو دولة وتصبح قوية وتلعب دورا أكبر على الساحة الدولية، ستصبح لغتها أيضا بالتأكيد أكثر شعبية، مضيفا أن ما يسمي بـ"حمي الصين" في الشرق الأوسط هي أيضا نتاج سياسة الصين القائمة على تعزيز التناغم والسلام في المنطقة.
وأكد رجب أنه مع تزايد أصدقائها يوما بعد يوم، سوف "تفوز الصين بقلوب وعقول الشعوب العربية".