تحقيق إخباري: معمل صيني في أثيوبيا يوقد جذوة أحلام أفريقية
اكتسبت بلدة دوكيم، على بعد 35 كم جنوبي العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، شهرة على خريطة التصدير بالعالم، بفضل أحذية "صنع في أثيوبيا".
هذه البلدة التي كانت الزراعة طاغية عليها بالماضي، أخذت تشهد زيادة في التصنيع عام 2010، عندما افتتحت أثيوبيا أول منطقة صناعية هنا. هذه المنطقة الصناعية الممتدة على 40 هكتارا، بنيت باستثمارات صينية، وفيها أقامت "هواجيان" وهي شركة صينية لصناعة الأحذية ، معملها عام 2011، وبدأت بإنتاج موديلات شهيرة مثل ((GUESS ،Calvin Klein ،Nina) وغيرها.
وتلا ذلك إقامة معمل ثان للشركة في أغسطس عام 2016 في منطقة صناعية خاصة للشركة في هذه المنطقة بضواحي العاصمة الأثيوبية.
لقد بدأت هذه الشركة الصينية بناء منطقتها الخاصة للصناعات الخفيفة عام 2015، بفضل مبادرة الحزام والطريق التي طرحتها الصين، والتي حظيت بإشادة من الحكومة الأثيوبية باعتبارها مبادرة حكيمة ذات أهمية عالمية.
واليوم، يوفر المعملان اللذان بنتهما "هواجيان" فرص عمل مباشرة لأكثر من 7 آلاف أثيوبي.
أثيوبيون يسعون لأحلامهم في معامل صينية
تحدث ديميس ديفيغ (27 سنة) عن كيف أسهم هذان المعملان في تغيير مسار عمله، قائلا إنه في عام 2012، تخرج من جامعة أديس أبابا بشهادة تمريض، ولكنه لم يستطع الحصول على عمل. واختار أخيرا الانضمام لشركة هواجيان، لتعلم مهنة صناعة الأحذية.
لقد ساعدته دراسته الجامعية ومهاراته باللغة الإنجليزية في هذا المجال. وبعد شهرين، أصبح قائد فريق عمل بالشركة. وبعد سنة ونصف، وجد نفسه في مدينة دونغوان، حيث المقر الأصلي للشركة، جنوبي الصين، ليتدرب ويتعلم المزيد. وحاليا، يتولى منصبا إداريا.
إنه يتذكر كيف سعى لتعلم اللغة الصينية وتطوير نفسه فيها، وهو في الصين، فقال "في كل ليلة، عندما أعود لمكان إقامتي، أحرص على الاستماع لمحادثات باللغة الصينية عبر الإنترنت ، وأنا مستلق على سريري." ولما انتهت الدورة التدريبية، كان الأول بين أقرانه.
حاليا، يتحدث هذا الشاب اللغة الصينية بطلاقة. في عام 2017، تم تعيينه رئيسا لورشة في المعمل الثاني للشركة في أثيوبيا، وقفز راتبه الشهري 20 مرة، مقارنة بما كان يحصل عليه قبل خمس سنوات.
حتى الآن، اختارت شركة هواجيان، أكثر من 500 عامل أثيوبي للتدرب لفترة تمتد ما بين ستة أشهر إلى سنتين في الصين. ومن المتوقع أن يكونوا مدراء مستقبليين لمعامل الشركة في بلدهم الأم.
أما بالنسبة للشاب إسراي إيتيفا، فيرى أن الشركة الصينية قد غيرت أساليب العمل لدى المحليين، ويقول "بالنسبة للكثير من الأثيوبيين، لا يهم إذا ما تأخرنا في العمل، وإذا شعرنا بعدم الرغبة في العمل، فسنطلب إجازة."
ويضيف "ولكن، وأنا أعمل في هذا المعمل، أدركت تدريجيا أنه إذا كنا غير مهتمين، فسنلحق الضرر بإنتاجية الشركة، وهذا ما يؤثر على عوائدنا أيضا."
هذا الشاب له اسم صيني وهو "فاتشان" ويعني التنمية. ويشير إلى "أحب هذا الاسم بفضل معناه، وهذه الشركة توفر منصة للكثير منا لتطوير الذات."
أثيوبيا رائدة في مبادرة الحزام والطريق
لم يتوقع سوى قلة أن أثيوبيا ستكون قاعدة تصنيع. اليوم، تحتضن قطاع تصنيع كثيف العمالة وموجه للتصدير، لأسواق متطورة.
في كل عام، ومن معملي هواجيان وحدهما، يتم تصدير نحو 5 ملايين زوج أحذية بماركات وموديلات حديثة، وعليها عبارة "صنع في أثيوبيا" إلى أسواق الولايات المتحدة وأوروبا، بحيث حققت لهذا البلد الواقع في شرقي أفريقيا، نحو 31.08 مليون دولار أمريكي من العملة الصعبة عام 2017.
وعلى ضوء التجربة الصينية، تخطط أثيوبيا حاليا لزيادة عدد مناطقها الصناعية إلى 15 بحلول يونيو 2018، كجزء من جهودها لدفع التصنيع والتصدير.
وضمن إطار مبادرة الحزام والطريق (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21)، بنت الصين ومولت بـ4.2 مليار دولار أمريكي، خط سكك حديدية مكهرب بين أثيوبيا وجيبوتي، لدفع الصادرات الصناعات الأثيوبية.
وقال وزير النقل الأثيوبي أحمد شيدي "إن المناطق الصناعية الممتدة على طول خطوط السكك الحديدية، ستكون مؤثرا هاما في كلا البلدين، وللمنطقة عموما، بما يعزز التحولات الاقتصادية ويسهل نقل السلع."
من جانبه، قال تشانغ هوارونغ، مؤسس شركة هواجيان ومديرها "إن أفريقيا تتمتع بموارد عمالة واسعة، والأهم هو أن المحليين يحبون العمل هنا كثيرا."
وأضاف أنه بالنسبة لشركة هواجيان، فهي تسعى لتكامل المزايا التقنية لدى الصين مع مزايا الإنتاج المنخفض الكلفة في أثيوبيا، بما يحقق التعاون متبادلة المنفعة.
وفي نهاية يوم العمل، يتوجه العاملون الأثيوبيون بهاذين المعملين الصينيين، إلى بيوتهم، وهم يدردشون ويضحكون، مطمئنين على مستقبلهم.
وقال بيويانت ديفيغ "منذ أن بدأت عملي مع هواجيان، لدي الآن مسكني الخاص الذي جاء بفضل جهودي الذاتية، وباتت حياة كل عائلتي في أمان الآن."
المقترح الصيني لبناء مستقبل مشترك
إن المناطق الصناعية في أثيوبيا هي جزء من قصة تتعلق بكيف أن الصين تبني أيضا مناطق تعاون تجارية واقتصادية خارجية في كمبوديا وفيتنام وباكستان وزامبيا ومصر ونيجيريا ومناطق أخرى.
هذه المناطق التنموية اكتسبت سمعة بأنها "عربات تسريع" تساعد الاقتصادات الأقل نموا وتحفز تنافسيتها ثم بالنتيجة تدفع وتعزز التنمية الاقتصادية فيها.
لقد بنت شركات صينية 75 منطقة للتعاون الاقتصادي والتجاري في 24 بلدا على طول ممرات الحزام والطريق، بحيث تسهم في ضرائب تزيد على 2.2 مليار دولار وتخلق نحو 210 آلاف فرصة عمل للمحليين حتى نهاية عام 2017، وفقا لأرقام رسمية.
إن مبادرة الحزام والطريق التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، تهدف إلى تحقيق ترابطية وتكامل في السياسات والتصنيع والتجارة والتمويل والعلاقات الشعبية، على طول الممرات التجارية لطريق الحرير العريق، وما وارءه، وتسهم بذلك في توفير منصة للتعاون الدولي وخلق محركات جديدة للتنمية.
ومع تقدم هذه المبادرة، يمكن للصين أن تساعد الدول النامية الأخرى في مساعيها للتخلص من مشاكل عنق الزجاجة المعيقة للتنمية، وتقدم آلية "لضخ دماء جديدة" تدفع التنمية المستدامة في هذه الدول، وفقا لرأي جوستن ييفو لين، نائب رئيس البنك الدولي وكبير الخبراء الاقتصاديين سابقا في البنك.
وتتعاون الصين أيضا مع فرنسا لبناء محطة طاقة نووية في مركز هينكلي بوينت في بريطانيا، وهو مثال مضيء للتعاون بمجال التكنولوجيا العالية، ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق.