تقرير: مصنع أسمنت بتيمقطن .. المعجزة الصينية في الصحراء الجزائرية
مصنع أسمنت بتيمقطن (صحيفة الشعب اليومية أونلاين)
حيث لا يوجد أثر لأي انسان باستثناء الرمال الصفراء الذهبية الناعمة نهارا، والنجوم الساطعة في كبد السماء ليلا، يضيء مصنع أسمنت بتيمقطن سماء الصحراء الجزائرية المترامية الأطراف. حيث وصفه أحد السكان المحليين بأنه " المعجزة الصينية في الصحراء الجزائرية". ويعتبر مصنع أسمنت بتيمقطن دائرة أولف ولاية أدرار أكبر مشروع متكامل لإنتاج الأسمنت في الصحراء التي تبعد 1400 كم عن جزائر العاصمة، والذي يعتبر ثمرة الشراكة الصينية ـ الجزائرية، تم انجازه من قبل الشركة الصينية للبناء وشاركت جزئيا في أعمال إدارته. وقد اجتاز مصنع الأسمنت التقييم بنجاح في اكتوبر هذا العام، ليدخل حاليا مرحلة الانتاج الكاملة.
يعد مصنع الأسمنت بتيمقطن أول نشاط صناعي من هذا النوع بالجنوب الجزائري الكبير وتعلق عليه آمال كبيرة للمساهمة المباشرة في دفع وتيرة التنمية المحلية وسد نقص مادة الأسمنت المعروضة التي تعتبر تحديا كبيرا بالنسبة للجزائر كأكبر بلد افريقي، ويستثمر الكثير في مشاريع البنية التحتية والسكن كل عام، كما يساهم مصنع الأسمنت في تقليص فاتورة استيراد هذه المادة الأولية الهامة وضمان توفير الاكتفاء الذاتي المحلي أحد أهداف الاستراتيجية الجزائرية الوطنية.
الواقع أن الجزائر غنية جدا بالموارد المعدنية المستخدمة في إنتاج الأسمنت، إلا أن معظمها تقع في أعماق الصحراء، وصعب نقلها كمادة خام، كما أن انجاز مصنع أسمنت في الصحراء الواسعة كان تحدي كبير أمام العديد من الشركات الغربية بسبب نقص المعلومات عن استكشاف الالغام، وصعوبة المواصلات، ونقص المياه والكهرباء، ومرافق البنية التحتية المنعدمة تقريبا، بالإضافة إلى الطقس الصعب الذي تتميز به الصحراء من رياح قوية وحرارة قاسية. في حين اعتمدت الشركة الصينية على برنامج خاص لإنجاز بناء المصنع في المناطق النائية من الصحراء. وقال يي هاي دونغ مدير مشروع ادرار للأسمنت للصحفيين، أن المصنع ينتج حوالي 4200طن من الكلنكر كل يوم، ومن المتوقع أن تصل قدرة الانتاج الى 1.5 مليون طن أو أكثر طول العام، ما يساعد على ملئ الكثير من الثغرات في سوق مواد البناء الجزائرية، كما سيشبع ايضا اسواق الأسمنت في مالي والنيجر وغيرها من البلدان الاخرى. مضيفا، كانت الجزائر تعتمد على الواردات الاوروبية بالنسبة للأسمنت المستعمل في حفر الآبار البترولية سابقا، لكن الوضع قد تغير بعد دخول الشركات الصينية، حيث يصل الإنتاج السنوي لمصنع الأسمنت بتيمقطن الى 300 ألف طن من الأسمنت المستعمل في حفر الآبار البترولية، والذي سوف يساعد الجزائر لأول مرة على الاكتفاء الذاتي من حيث انتاج هذا النوع من الأسمنت. وقال حمو بكوش والي ادرار، أن انجاز مصنع الأسمنت بتيمقطن سيعزز تطوير شركات المنبع والمصب، وخلق 4600 وظيفة بشكل مباشر او غير مباشر، وتعزيز تنمية تامنغست وتيممون وغيرها من المناطق الأخرى.
ساهمت المعايير الصينية والمعدات الصينية وبرامج عمل الصين كثير ا في نجاح انجاز مثل هذا المصنع في الصحراء الشاسعة، حيث يمكن أن نرى المعدات الصينية ذات حقوق الملكية الفكرية الخاصة في كل مكان وكل زاوية من زوايا مصنع الأسمنت بتيمقطن. ووفقا للتقارير، لم يتم تحسين وتعديل وظائف المعدات وفقا لخصائص المواد الخام المحلية فحسب، وإنما تساعد على تقليل من استهلاك الطاقة، وضمان التقدم السلس للإنتاج. وأشاد عبد الغاني مدير المصنع عن الجانب الجزائري بالمعدات الصينية قائلا:" عمل معدات الصين مستقر جدا، والتكنولوجيا من الدرجة الاولى!”. ومن جانبه، قال ما مينغ ليانغ ، مدير عام شركة البناء الصينية في مقابلة مع مراسل صحيفة الشعب اليومية، أن الجزائر لديها موارد خام لإنتاج الأسمنت والحاجة للإنتاج، ولكن لا تمتلك تكنولوجيا ذات الصلة، في حين أن الشركات الصينية لديها تكنولوجيا الانتاج الحديثة الناضجة، مع عدد من حقوق الملكية الفكرية المستقلة في التكنولوجيا المتقدمة والمعدات، ولديها خبرة في الأعمال، يمكن توفير المعدات والخدمات عالية الجودة، مضيفا:" نأمل أن يعمل هذا التعاون المربح للجانبين الصيني الجزائري على توفير فرصة لبناء م "الحزام والطريق" معا" .وقال تشانغ شياو خو مدير الانتاج الصيني، أن الصين ستواصل المشاركة في ادارة وانتاج المصنع بعد الانتهاء من انجازه نهائيا، على ان يتم تسليمه بالكامل الى الجانب الجزائري بعد سبع سنوات، يتم خلالها أيضا تكوين العمال الجزائريين و نقل الخبرة و أحدث التكنولوجيا المعتمدة في تسيير هذه الوحدة الإنتاجية .
ترك مصنع الأسمنت بتيمقطن انطباعا جيدا عند السكان المحليين، كما أثارت سرعة الانجاز التي لم يسبق لها مثيل اعجابهم أيضا، حيث انطلقت ورشات إنجازه مطلع فبراير 2016، وفي أغسطس من نفس العام، تم تركيب المعدات بالكامل، لتبدأ اختبارات القيادة الذاتية في فبراير عام 2017. وفي اغسطس 2017، أنتج المصنع بنجاح أول كيس من الأسمنت. وفي الواقع، أن مثل هذا الانجاز في مثل هذه الظروف البيئية تحتاج العديد من الشركات الغربية 2-3 سنوات على الاقل للقيام بنفس القدر من العمل، ما يجعل مصنع الأسمنت بتيمقطن انجازا تاريخيا في صحراء الجزائر. بالإضافة الى ذلك، حظي المهندسون الصينيون الرائدون، العاملين بجد واتقان بالثناء من قبل السكان المحليين. حيث عمل ليو شوانغ خو المهندس المسؤول عن تصميم المشروع، على التنقيب على الالغام في نفس الوقت لعدم توفر تقرير استكشاف الالغام، وبقي عدة مرات خلال ستة أشهر في عمق منطقة التعدين المهجورة، ما ادى الى تعرضه مرارا وتكرارا للمرض في تلك الاثناء. كما أن صعوبة العمل خارج مقر المصنع دون مرافقة قوات الأمن بسبب صعوبة التنقل في الصحراء الواسعة، جعلت تشانغ جيان مدير التركيب الفني ومسؤول عن بناء انابيب المياه يتخلى عن فترة الراحة عند الظهر، وعمل ضد الطقس الحار لمدة 40 يوما من أجل تحقيق تقدم محرز في المشروع، ما تسبب في تعرضه لالتهاب رئوي حاد خلال عملية انشاء انابيب المياه. وقد جعلت المتطلبات المحلية العالية لمعدات توليد الطاقة مين يو تشاو مهندس كهرباء في المشروع ادارة أكثر من عمل واحد في المشروع، من تصميم المشروع، ومراقبة الجودة، الى شرح الرسومات، ويعمل نهارا وليلا ما يعادل عمل ثلاث اشخاص. كما لايزال هناك العديد من الموظفين الذين يعملون في مصنع الأسمنت بتيمقطن بهدوء وجدية ووظائف عديدة دون ملل ولا شكوة، أنما لا تزال البسمة على وجوههم شاعرين بالأمل والتفاؤل بالرغم من التعب والطبيعة القاسية في الصحراء.
إن دخول مصنع الأسمنت بتيمقطن حيز التنفيذ من شأنه يرسى اساسا متينا للتعاون بين الصين والجزائر لبناء القدرات في مجال مواد البناء في المستقبل، وتعزيز الثقة المتبادلة بين البلدين. ويذكر أن شركة البناء الصينية وشركة العقارات الجزائرية قد وقعتا عقدا لبناء مصنع الزجاج وخط ثاني لإنتاج الأسمنت. وفي المستقبل، ستشهد القارة السمراء المزيد والمزيد من المعجزات الصينية.