تحقيق إخباري: الطب التقليدي وفنون الدفاع عن النفس...عملاقا الثقافة الصينية
التوقيت هو منتصف يونيو، ودرجة الحرارة تبلغ 40 درجة مئوية في ضواحي مدينة سمرقند القديمة في أوزبكستان حيث ينهمك فريق مؤلف من علماء آثار صينيين وأوزبكيين في أعمال تنقيب داخل مقبرة كبيرة تابعة لأهالي مملكة يوتشي القديمة.
إن "تطور وازدهار طريق الحرير القديم بدأ من مملكة يويتشي، وأهلها القدماء بدو استوطنوا في الصين"، هكذا يقول وانغ جيان شين رئيس فريق التنقيب عن الآثار والأستاذ بالجامعة الشمالية الغربية الصينية في مدينة شيآن.
فالقوافل على طول طريق الحرير القديم حملت الحرير صيني الصنع والشاي والخزف متجهة غربا، وجلبت معها وهي عائدة الفلفل والجزر والخيول.
وشأنه شأنه طريق الحرير القديم الذي جلب معه التغيير، سيلعب الحزام والطريق الحديث دورا هاما في إتاحة فرص للصينيين وغير الصينيين على حد سواء، فضلا عن مساعدة العالم الخارجي على فهم سحر الثقافة الصينية والتمتع بها.
وبدلا من الحرير والشاي، أصبح الطب الصيني التقليدي وفنون الدفاع عن النفس واللغة جميعا في وقتنا الحاضر أهم كنوز ثقافية تذخر بها البلاد في نظر الآخرين.
-- فنون الدفاع عن النفس: تناغم داخلي
تعانق بيرو الثقافة الصينية الآن أكثر من أي وقت مضى في ظل قيام البلدين بتطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية والاجتماعية خلال السنوات العشر الماضية.
وتقاليد صينية مثل فنون الدفاع عن النفس والوخز بالأبر صارت مألوفة بين البيروفيين وتعمل بمثابة نافذتين على ثقافة بعيدة.
فقد سافر السيد خوان فاسكويز (63 عاما) إلى الصين أكثر من 20 مرة، وكان يعزز في كل رحلة من هذه السفريات دراسته لرياضة التاي تشي.
تدرب فاسكويز على أنواع متنوعة من فنون الدفاع عن النفس منذ أن كان عمره 17 ربيعا، ولكن رياضة التاي تشي كانت المفضلة بالنسبة له، لأنه يرى أنه لها دلالات ثقافية وفلسفية "أكثر اكتمالا وعمقا" مقارنة بأنواع أخرى من فنون الدفاع عن النفس.
وفي عام 1992، التقى فاسكويز المعلم الصيني الكبير تشن تشنغ في، وهو أستاذ الجيل الـ11 لرياضة التاي تشي على نمط تشن.
وعلى مدى العديد من السنوات، كان فاسكويز يقضى شهرا واحدا سنويا في مقاطعة خنان الصينية لدراسة رياضة التاي تشي مع تشن.
وبعد ممارسة هذه الرياضة لمدة أربع ساعات يوميا على مدى أكثر من 40 عاما، اكتسب فاسكويز شهرة دولية وتوج بطلا في بيرو عدة مرات.
ومنذ عام 1994، قام فاسكويز بتعليم رياضة التاي تشي على نمط تشي في ليما وتتلمذ علي يده أكثر من 100 شخص تتراوح أعمارهم ما بين دون العشر سنوات وحتى مسنين تتجاوز أعمارهم 80 عاما.
ومن بين هؤلاء، تتدرب مارليني كالسينا منذ 13 عاما. وقالت إن رياضة التاي تشي هي التي علمتها قيمة "أخذ الأمور على ببساطة" بعدما كنت "أشعر بضغوط كبيرة" في العمل وفي حياتي.
وأشارت كالسينا إلى أن "التغيير الذي شعرت به بدأ مع رياضة التاي تشي التي ساعدتنى على اكتساب السلام والوئام الداخلي"، مضيفة "وبالنسبة لي الآن، فإن ممارسة التاي تسي أشبه بالتحدث مع روحي".
-- الطب الصيني التقليدي: الإبر السحرية
شعرت سهير صبحي أخيرا ببعض الراحة من آلام الكتف والرقبة المزمنة، بفضل مساعدة نشأت على بعد آلاف الأميال ويرجع تاريخها إلى عدة قرون.
يذكر أن سهير صبحى، التي تبلغ من العمر 40 عاما وتعمل في مجال الإعلان وتذهب يوميا إلى العمل، هي أحد المرضي الذين تلقوا رعاية من أسامة حبيب الله، وهو الفلسطيني الأول والوحيد في مدينة رام الله بالضفة الغربية الذي حصل على تدريب رسمي على ممارسة الطب الصيني التقليدي.
وعلى مدى شهرين تقريبا، أجرى الدكتور حبيب الله لسهير علاجا أسبوعيا مدته 40 دقيقة استخدم فيها الوخز بالأبر والحجامة والتدليك العلاجي في وحدة من غرفة داخل عيادة الطب البديل ببرج إداري في وسط مدينة رام الله.
إن هذا العلاج المركب يساعد على تحفيز الدورة الدموية وتدفق الـ"تشي" أو الطاقة الحيوية واستعادة التوازن في الجسم، وبالتالي تقليل الألم والإجهاد، هكذا قال حبيب الله وهو يستخدم الحجامة والوخز بالأبر لعلاج سهير.
"أشعر بمزيد من الاسترخاء وأشعر بتقلص حدة التوتر إلى حد كبير. وأشعر بالعضلات أكثر استرخاء والأكتاف أكثر استرخاء والرقبة أكثر مرونة"، حسبما قالت سهير صبحي عقب العلاج ، مضيفة "هناك فارق كبير".
تخرج حبيب الله، وهو في الثلاثينات من العمر، في جامعة الطب الصيني التقليدي ببكين عام 2011. ويستقبل ستة مرضى في المتوسط في عيادته الذي يديرها منذ ثلاث سنوات تقريبا.
وفي بعض الأحيان يتوجه إلى القدس الشرقية للعمل في عيادة مخصصة للطب التقليدي.
وأشار حبيب الله إلى أنه يحلم بفتح مركز شامل في الضفة الغربية للفلسفة الصينية والطب الصيني.
وذكر حبيب الله "أؤمن بأن هذا المركز يمكن أن يعزز أساليب العلاج الصينية لمداواة الأمراض"، مضيفا "يمكن أن يكون أيضا مركزا للأشخاص الأصحاء، مع تقديمه لدورات في فنون الدفاع عن النفس وتقنيات إزالة التوتر وحتى العلاج بالأعشاب".
-- اللغة الصينية: جسر التواصل
وبالنسبة للصينولوجي البيروفي غويليرمو دانينو (87 عاما)، فمبادرة الحزام والطريق الصينية تعني علاقات ثقافية وإنسانية أقوى بين الصين وأمريكا اللاتينية.
فقد فتح الأستاذ دانينو، الذي جعل من تعريف شعوب أمريكا اللاتينية على الثقافة الصينية مهمة حياته، فتح دورات في أربع من أبرز الجامعات في بيرو، وهو ما أثار شغف طلابه لدراسة اللغة الصينية.
بدأ حب دانينو للثقافة الصينية قبل أكثر من ثلاثين عاما. وباعتباره أستاذا في الأدب واللغويات بجامعة سان ماركوس الوطنية في بيرو، تلقى دانينو في ذلك الوقت دعوة من الحكومة الصينية لتعليم قواعد اللغة الأسبانية وغيرها من المواد للمعلمين في جامعة نانجينغ في مقاطعة جيانغسو.
لكن بالنسبة لدانينو الذي قد لعب بطلا في أفلام صينية، كانت الهواية التي غيرت حياته تتعلق بترجمة الشعر الصيني القديم والتي أصبحت أيضا من أكثر إنجازاته شهرة من حيث تعريف العالم الناطق بالأسبانية على الثقافة الصينية.
بدأ اهتمامه بالشعر الصيني عندما اطلع على كتاب "100 قصيدة شعرية من عهد أسرة تانغ"، وهي مجموعة مختارة من القطع الشهيرة التي تم تأليفها خلال العصر الذهبي للشعر الصيني القديم.
وأصبحت الترجمة، التي نُشرت عام 1996، أول مجموعة من شعر أسرة تانغ تترجم بشكل مباشر من الصينية إلى الأسبانية في أمريكا اللاتينية.
لقد توغل دانينو، رغم عدم شعوره بالرضا، توغل بعمق في التاريخ الصيني والمقالات القديمة والقصص الشعبية، وكتب عن تجاربه اليومية في الصين.
وإجمالا، نشر الأستاذ البيروفي أكثر من 20 كتابا باللغة الأسبانية عن الصين من بينها تسعة كتب مترجمة للشعر الصيني الكلاسيكي .
وإنطلاقا من الهدف المتمثل في مساعدة الجماهير الناطقة بلأسبانية على فهم العملاق الآسيوي، كان "أهم عمل لدانينو حتى الآن" كما وصفه هو "موسوعة الثقافة الصينية" التي نشرت عام 2013 وتحتوى على أكثر من 600 من المدخلات عن التاريخ والثقافة والدين والشخصيات العامة في الصين.
وفي مقال نشر في وسائل الإعلام المحلية الناطقة باللغة الصينية في بيرو، دعا دانينو الشعب الصيني إلى دراسة الثقافة التقليدية وتعريف العالم الغربي على قيمه الأساسية.
"باعتباري مواطنا بيروفيا، أود أن أقول لكم أن المئات والآلاف من أحفاد الصينيين والصينيين المغتربين فخورين بثقافتكم وبوطنكم الأم! من فضلكم لا تتوقفوا عن التعلم وتعزيز الثقافة الصينية ونشرها. وبهذه الطريقة، سوف تقدمون إسهاما أكبر لبيرو والعالم".