مقالة خاصة: حان الوقت لاكتشاف إفريقيا المزدهرة والمتطورة والدينامية

التاريخ: 2024-09-01 المصدر: شينخوا
fontLarger fontSmaller

تُظهر هذه الصورة الملتقطة بطائرة بدون طيار في 3 أبريل 2024 منظرا لمدينة نيروبي في كينيا. نيروبي هي عاصمة كينيا والمركز الاقتصادي والثقافي للبلاد، وتقع في المرتفعات الوسطى الجنوبية من البلاد على ارتفاع يتجاوز 1600 متر في المتوسط عن سطح البحر، وتتمتع بمناخ معتدل. كما تتميز المدينة بالنباتات النضِرة والمناظر الطبيعية الخلابة.  (شينخوا)

بكين 31 أغسطس 2024 (شينخوا) إن الصور النمطية لإفريقيا في العقل الغربي قائمة منذ زمن بعيد دون تغيير حيث تتمثل في الفقر والمجاعة والأمراض والأوبئة علاوة على الصراعات والنزاعات القبلية. وهذه النظرات الغربية غالبا ما تقدم رؤية ضيقة وسطحية لإفريقيا.

فإفريقيا في الواقع قارة يصل عدد سكانها إلى أكثر من 1.4 مليار نسمة، وتقطنها آلاف المجموعات العرقية ذات الثقافات الفريدة، وتضم أكثر من خمسين دولة. هذه التنوعات الغنية تجعل من إفريقيا قارة ذات أبعاد متعددة بشكل غير عادي. وفي السنوات الأخيرة، بدأت إفريقيا الدينامية في النهوض، متحدية الصور النمطية القديمة بابتكاراتها وحيويتها.

-- الكِبْر والتحامل

قبل بضع سنوات، نشرت صحيفة ((نيويورك تايمز)) إعلانا عن وظيفة رئيس مكتب في العاصمة الكينية نيروبي أوضحت فيه أن هذه الوظيفة تمثل فرصة لتغطية "حدة الصراعات وأوجه المعاناة".

حتى ولو كانت بعض التغطيات الغربية عن إفريقيا غير زائفة، تظل المشكلة كامنة في كونها أحادية الجانب ومبنية على التعميم. كما إن التصوير المتكرر لإفريقيا من خلال صور سطحية ومبالغ فيها يعمق سوء الفهم والتحامل، ما يخلق رؤية مشوهة للقارة. ففي تلك التغطيات الغربية، غالبا ما يجري تصوير الفقر والصراع والأمراض على أنها جوانب دائمة الارتباط بإفريقيا، فيما يتم غالبا تجاهل أوجه التقدم الاقتصادي والاجتماعي للقارة.

ويجادل المحللون بأن هذا السرد أحادي الجانب يُمثل شكلاً جديداً من الاستغلال.

عند النظر من الناحية التاريخية نجد أن إفريقيا خضعت لقرون من الحكم الاستعماري القاسي، والتمييز العرقي الصارخ، وتجارة الرقيق اللاإنسانية، واستغلال الموارد. هذه الأفعال حرمت الأفارقة من حقوقهم وكرامتهم، وأدت بدورها إلى تعطيل تطورهم التاريخي وسبّبت لهم معاناة وكوارث مستمرة.

-- التنوع والابتكار

لقد صارت إفريقيا اليوم مملوءة بالتنوع والحيوية. فروح الابتكار في مجالات الطاقة المتجددة والمالية والفنون في البلدان الإفريقية تفاجئ العالم بإبداعات فريدة.

ففي ظل التحول العالمي إلى الطاقة الخضراء، بادرت بعض الدول الإفريقية إلى اتخاذ خطوات رائدة. فقد أوضح تقرير صدر عن وكالة الطاقة الدولية بعنوان (آفاق الطاقة في إفريقيا 2022) أن الطاقة المتجددة في كينيا شكّلت نسبة تقارب 90 في المائة من إجمالي توليد واستهلاك الكهرباء لديها في عام 2021، وهي نسبة تتجاوز تلك التي حققتها العديد من الدول المتقدمة.

وما قد يثير دهشة الكثيرين هو أن الدفع عبر الهاتف المحمول بدأ في كينيا منذ 17 عاما. ففي عام 2007، أطلقت شركة سافاريكوم الكينية نظام M-Pesa للدفع عبر الهاتف المحمول، الذي يعمل دون الحاجة إلى الهواتف الذكية أو الإنترنت عالي السرعة، حيث يتيح التحويلات والمدفوعات الفورية عبر الرسائل النصية. وأصبحت M-Pesa الآن واحدة من أكثر منصات الدفع عبر الهاتف المحمول تأثيرا في إفريقيا وقد تم تبنيها في دول خارج إفريقيا، مثل الهند ورومانيا، ما يجعلها خير مثال على "الابتكار العكسي" في القطاع المالي بالبلدان النامية.

كما حقق الابتكار الرقمي في القطاع المالي بإفريقيا نتائج إيجابية. فحتى عام 2020، كانت هناك أكثر من 500 شركة مبتكرة في مجال التكنولوجيا المالية بإفريقيا. وتم إدراج مدن مثل جوهانسبرغ وكيب تاون في جنوب إفريقيا، ونيروبي في كينيا، ولاغوس في نيجيريا ضمن قائمة أفضل 100 مدينة عالمياً من حيث الابتكار في نظم التكنولوجيا المالية.

في وقتنا الحاضر، صارت الفنون الإفريقية تحظى بشعبية كبيرة. فعلى سبيل المثال، اكتسبت أنواع من الموسيقى الإفريقية مثل موسيقى "أفروبِيتس" شهرة عالمية. كما يضع الكُتَّاب الأفارقة بصمة مميزة على الساحة الأدبية العالمية بأساليب سردية فريدة حيث فاز الكاتب التنزاني عبدالرزاق قرنح بجائزة نوبل في الأدب لعام 2021، ما ساهم في تعزيز تأثير الأدب الإفريقي على الساحة العالمية.

-- الاستقلالية والقوة الذاتية

اليوم تتطلع الشعوب في إفريقيا إلى تغيير مصيرها وتطوير وتحسين الذات.

على سبيل المثال، أصبحت بوتسوانا نموذجا للتنمية الاقتصادية والحكم الرشيد. عندما نالت استقلالها في عام 1966، كانت بوتسوانا واحدة من أفقر دول العالم. وقد اكتسبت لقب "منارة التنمية في إفريقيا". وتشير أحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بوتسوانا، وفقا لتعادل القدرة الشرائية، يقترب من 18 ألف دولار أمريكي.

إن نجاح بوتسوانا، على عكس بعض الدول الغنية بالموارد التي تقع في "لعنة الموارد"، يُعزى إلى نظام حوكمتها القوي وسياساتها الاقتصادية الفعالة. فقد أنشأت الحكومة نظاما اقتصاديا قائما على السوق، واعتمدت إجراءات محفزة لجذب الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيات المتقدمة من الخارج، كما وضعت أكثر من عشر خطط للتنمية الوطنية، محققة نموا اقتصاديا سريعا ومستداما.

بفضل الاستقرار السياسي والأوضاع الأمنية الجيدة والحكومة الفعّالة والنزيهة، قدمت رواندا، التي أعادت بناء نفسها بعد الإبادة الجماعية التي وقعت في التسعينيات، أداءً مميزاً. فوفقا لإحصاءات البنك الدولي، شهدت رواندا نموا اقتصاديا سنويا بلغت نسبته 7.2 في المائة بين عامي 2010 و2019، ونما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 4.5 في المائة سنويا. وفي عام 2008، أصبحت كيغالي أول مدينة أفريقية تحصل على "جائزة سجل الشرف لموئل الأمم المتحدة".

كما كان للإصلاحات والتخطيط التنموي كبير الأثر في تنزانيا، فقد تحسنت بيئة الأعمال فيها بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وحقق اقتصادها انتعاشا سريعا رغم التحديات. وصار لدى صندوق النقد الدولي نظرة متفائلة بشأن آفاق الاقتصاد التنزاني. ووفقا للتوقعات الأخيرة الصادرة عن هذه الهيئة، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لتنزانيا بنسبة 5.4 في المائة في عام 2024.

-- التكاتف والعمل

إن صحوة "الجنوب العالمي" تعد في الوقت الحاضر اتجاها جديدا على الساحة الدولية. وتشهد إفريقيا النامية، وهي عضو مهم في "الجنوب العالمي"، تقدما وتطورا وأصبحت لاعبا رئيسيا في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية على الصعيد العالمي.

وففي عام 2013، أطلق الاتحاد الإفريقي "أجندة 2063"، وهي مخطط لتنمية إفريقيا على مدى نصف قرن.

في يونيو 2023، قام وفد سلام إفريقي، ضم قادة ومسؤولين، بزيارة أوكرانيا وروسيا حيث قدم مقترحات سلام تتعلق بحل الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وفي يناير الماضي، انضمت مصر وإثيوبيا إلى مجموعة بريكس، ما يعكس دعم البلدان الإفريقية لنظام دولي أكثر عدلا وإنصافا.

لطالما دعا الاتحاد الإفريقي إلى موقف موحد بين الدول الإفريقية بشأن القضايا الرئيسية ذات الأهمية الجماعية، ما جعل الصوت الإفريقي موحدا على الساحة الدولية. وفي سبتمبر الماضي، انضم الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، الأمر الذي عزز تمثيل إفريقيا وصوتها في الحوكمة العالمية.

من جانبها تواصل الصين، الشريك الثابت لإفريقيا، دعم إفريقيا في مسيرتها نحو الوحدة والاعتماد على الذات. وتحت أطر مثل مبادرة الحزام والطريق ومنتدى التعاون الصيني الإفريقي، يستمر التعاون العملي بين الصين وإفريقيا في التعمق. وسوف تحدد قمة منتدى التعاون الصيني-الإفريقي 2024، المقرر إقامتها في بكين، سبل التعاون عالي الجودة للسنوات الثلاث المقبلة، وهذا سيساعد الصين وإفريقيا على دفع التحديث في المسيرة الجديدة.

على أرض هذه القارة القديمة ولكن الشابة، ثمة عدد لا يحصى من القصص الرائعة التي تستحق أن تُروى وتُسمع. واليوم، تتحول إفريقيا بنشاط وتلعب دورا مهما على الساحة العالمية. وقد حان الوقت لاكتشاف إفريقيا المزدهرة والمتطورة والنابضة بالحياة والحيوية.

تحرير: تشن لو يي