رأي ضيف: قمة منتدى التعاون الصيني-الإفريقي 2024 ... نحو مجتمع صيني إفريقي مشترك
في الصورة الملتقطة يوم 10 أغسطس 2024، شارون أوليفانت، طالبة في مدرسة إعدادية محلية، تجري مقابلة بجوار ملعب كرة قدم تم تجديده حديثا بواسطة شركة "لونغيوان أس أيه" في دي آر بجنوب إفريقيا. (شينخوا)
بقلم: رانيا أبو الخير
على مدار ثلاثة أيام (4-6 سبتمبر 2024) تُعقد الدورة الرابعة لقمة منتدى التعاون الصينى الإفريقي (فوكاك) في العاصمة الصينية بكين، وهى القمة المنتظر أن يشارك في فعالياتها قادة الدول الأعضاء الأفارقة، كما يحضرها ممثلو المنظمات الإفريقية الإقليمية والدولية المعنية بالأنشطة ذات الصلة بهذه القمة، بهدف تعزيز مسيرة التعاون الصينية الإفريقية التي يُمثل المنتدى أحد آليات عملها في إطار سعي الطرفين إلى تعميق صداقتهما التقليدية، بهدف بناء مسارات جديدة للتضامن والتعاون بما يفتح مجالا جديدا لتسريع التنمية المشتركة للطرفين على النحو الذي اتخذته قمة المنتدى القادمة عنوانا رئيسا لها: "التكاتف لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني-إفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك"، إذ من المنتظر أن تناقش القمة مسارات تعزيز صداقتهما وتعاونهما لكتابة فصل جديد في بناء مجتمع صيني إفريقي ذي مستقبل مشترك.
وفى هذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أنه منذ تأسيس هذا المنتدى عام 2000، قد ركز على تحقيق الرخاء المشترك والتنمية المستدامة للشعب الصيني والشعوب الإفريقية، من خلال الالتزام بمبدأ التشاور المكثف والمساهمة والمنافع المشتركة.
وقد تطور هذا المنتدى الذي يدخل العام القادم احتفاله بمرور ربع قرن على تأسيسه، ليصبح منبرا مهما للحوار الجماعي وآلية فعالة للتعاون العملي بين الصين وإفريقيا، مرتكزا في ذلك على أساس متين قائم على الصداقة والاحترام والثقة والمنفعة المتبادلة.
في ضوء ذلك، سجلت مسيرة العلاقات الصينية الإفريقية على مدار العقود الماضية العديد من المؤشرات الإيجابية التي دللت على اتخاذ هذه المسيرة خطا ناظما متجها إلى أعلى في سبيل تعميق تعاونهما وتوسيع مجالاته وتنوع أنشطته، ومن أبرز المؤشرات الإيجابية التي تؤكد على هذا التعاون ما يأتي:
أولًا، وجود تقليد في السياسة الخارجية الصينية تجاه القارة الإفريقية، أشار إليه وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مؤتمر صحفي عُقد على هامش الدورة الحالية للهيئة التشريعية الوطنية الصينية في مارس 2024، بأن يختار وزراء خارجية الصين، إفريقيا لتكون محطة أولى في زياراتهم السنوية للخارج، مشيرا إلى أن هذا التقليد استمر 34 عاما، "وهو تقليد فريد ولا مثيل له في تاريخ التبادلات الدولية، وذلك لأن الصين وإفريقيا تجمعهما الأخوة وتعاملان بعضهما البعض بإخلاص وتتشاركان مصيرا مشتركا... وأننا حاربنا كتفا بكتف ضد الإمبريالية والاستعمار، لقد دعمنا بعضنا البعض في السعي لتحقيق التنمية، لقد دافعنا دائما عن العدالة في خضم مشهد دولي متغير".
في الصورة الملتقطة يوم 29 يونيو 2023، عارض يعرض منتجات خلال الدورة الثالثة للمعرض الصيني-الإفريقي للاقتصاد والتجارة في مدينة تشانغشا بمقاطعة هونان بوسط الصين. (شينخوا)
ثانيًا، نمو حجم التبادل التجاري بين الطرفين، لتصبح الصين اليوم أكبر شريك تجاري لإفريقيا، فقد شهدت السنوات الأخيرة توسعا في حجم ونوعية التجارة بين الصين والقارة السمراء، ووفقا لمؤشر التجارة الصيني الإفريقي الذي صدر لأول مرة في عام 2023، ارتفعت قيمة واردات وصادرات الصين إلى إفريقيا من أقل من 100 مليار يوان (نحو 14 مليار دولار أمريكي) في عام 2000 إلى 1.88 تريليون يوان (نحو 263 مليار دولار أمريكي) في عام 2022، بزيادة تراكمية بنحو 20 مرة، أما في عام 2023 فقد بلغ حجم التجارة بين الصين وهذه القارة مستوى قياسيا بلغ 282.1 مليار دولار أمريكي بزيادة سنوية قدرها 1.5%، كما زادت واردات الصين من المكسرات والخضروات والزهور والفواكه من إفريقيا بنسبة 130% و32% و14% و7% على التوالي على أساس سنوي، بينما ارتفعت الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية إلى هذه القارة بنسبة 291% و109% و57% على التوالي على أساس سنوي، مما يدعم بقوة التحول الأخضر في إفريقيا.
ثالثا، حرص الصين على دعم عملية التكامل الاقتصادي الإفريقي، إذ أبدت الصين تأييدها للخطوات العملية التي تبناها الاتحاد الإفريقي في إطار تعزيز تكامل دوله اقتصاديا، فقد أشادت الصين بإعلان قمة الاتحاد الإفريقي في دورتها الـ37 عن إطلاق خطة تنفيذ العقد الثاني لـ "جدول أعمال عام 2063"، والتي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والترابط بين الهياكل الأساسية، وكذلك تعزيز القدرة الإنتاجية الزراعية.
وفى السياق ذاته، يأتي الحديث عن دعم الصين أيضا لبناء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والتي أُعلن عنها رسميا في عام 2019 وتهدف إلى خفض التعريفات الجمركية وإزالة الحواجز التجارية وتعزيز تنمية التجارة والاستثمار داخل المنطقة، وتحقيق التدفق الحر للسلع والخدمات ورأس المال في القارة الإفريقية. وتوفر منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية مزايا من خلال تسهيل الوصول إلى الأسواق الإقليمية وتعزيز سلاسل الإنتاج في جميع أنحاء القارة، مما يساعد القطاعات الصناعية في الدول الإفريقية على الاستعداد بشكل أفضل للمنافسة العالمية التي تزداد وتيرتها كل يوم.
وغنى عن البيان أن دعم الصين لجهود التكامل الإفريقي إنما يأتي انطلاقا من حرص بكين على أن تكون رفيقة الدرب لتحديث القارة وتنميتها وتطويرها وفق الطريق المستقل الذي تبنته القارة لشعوبها، إذ يذكر أن الصين أطلقت على هامش مشاركتها في حوار قادة الصين وإفريقيا الذي عُقد في أغسطس 2023، ثلاث خطط رائدة في مجال التعاون المشترك مع القارة الإفريقية، وهم مبادرة دعم التصنيع في إفريقيا وخطة دعم الصين للتحديث الزراعي في إفريقيا وخطة التعاون في مجال تدريب المواهب بين الصين وإفريقيا، وتغطى هذه الخطط الثلاث المجالات الأكثر احتياجا للقارة الإفريقية، وهو ما تحرص الصين على دعمه من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة، تسهم بدورها في تحقيق الأهداف التنموية لدول القارة الإفريقية وشعوبها.
نهاية القول إن القمة القادمة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي تُعقد في وقت شديد الحساسية دوليا وإقليميا، وهو ما يكسبها أهميتها في متابعة تنفيذ نتائج القمم واللقاءات السابقة، وتقييم أدائها، مع أهمية وضع الرؤى والمقاربات للملفات والقضايا محل الاهتمام سواء على مستوى علاقات الطرفين أو على مستوى النظام الدولي الذي يشهد بدوره تحولات عدة.
ملحوظة المحرر: رانيا أبو الخير هي الأمين العام للمنتدى العالمي للدراسات المستقبلية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتبة ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).