رأي ضيف: أربعون عاما من العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية: نحو تعاون عالمي ونمو اقتصادي
في الصورة الملتقطة يوم 10 يناير 2022، عرض الضوء في الجناح الصيني في معرض إكسبو 2020 دبي، في دبي بالإمارات العربية المتحدة. (شينخوا)
بقلم حسين بن إبراهيم الحمادي
تمثل الذكرى الـ40 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، فرصة لتسليط الضوء على ما تم إنجازه، مع التطلع بثقة نحو الإنجازات المستقبلية التي وعدت شراكتنا بتحقيقها.
إن هذه الإنجازات ليست شاهدا فقط على الصداقة المتجذرة بين دولتينا، ولكنها تشكل أيضا رمزا لالتزامنا المشترك بتعزيز التعاون والتبادل الاقتصادي على الصعيد الدولي.
وبعد إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1984، شهدت العلاقات الإماراتية-الصينية نقلة نوعية في عام 1990 عندما قام الوالد المؤسس وأول رئيس لدولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بزيارة رسمية لجمهورية الصين الشعبية، والتي كانت الأولى من نوعها لأول رئيس دولة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يقوم بزيارة رسمية إلى الصين. وقد تم استقباله بحفاوة من قبل الرئيس الصيني السابق يانغ شانغ كون، حيث مهدت الزيارة فيما بعد لعلاقات تعاون متعددة الأوجه قامت على المصالح والأهداف المشتركة.
ونظراً للرؤية الاستشرافية الثاقبة للشيخ زايد ونظرائه الصينيين، تمخض عن هذه الشراكة الحيوية العديد من المكاسب المتبادلة، وقد تجلى ذلك بوضوح عبر توقيع أكثر من 130 اتفاقية ثنائية ومذكرة تفاهم على مدى الأربعين سنة الماضية.
كما جرى خلال الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، لجمهورية الصين الشعبية توقيع 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين شملت عددا من القطاعات الرئيسية كالسياحة والصناعة والتكنولوجيا والإعلام ومبادرة الحزام والطريق الصينية، من بين أمور أخرى، وهذا دليل على العلاقات القوية والالتزام المتبادل بتوسيع جهودنا التعاونية في مختلف المجالات الاستراتيجية.
وقد شكلت زيارة الدولة التي جرت الأسبوع الماضي معلما آخر على طريق هذه الشراكة، ما يسهم في خلق المزيد من الفرص التي تصب في تعزيز العلاقات الثنائية الإماراتية-الصينية.
وترتبط دولة الإمارات مع الصين بعلاقات قوية ومتجذرة تعود إلى أبعد بكثير من فترة الأربعة عقود، وتصل إلى آلاف السنين. وترجع هذه العلاقات تاريخيا إلى حقبة طريق الحرير القديم - وهو الطريق التجاري الذي كان يربط الصين مع أوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط، وتكمن أهمية هذا الطريق في أنه لم يقتصر فقط على تسهيل نقل السلع والبضائع، وإنما أسهم أيضا في تعزيز تبادل الأفكار والثقافات والابتكارات.
وقد جلب هذا الممر الشهير العديد من المنافع للصين القديمة والمجتمعات الأخرى على طول الطريق، بما في ذلك منطقتنا.
وبالتزامن مع إحياء ذكرى علاقات التعاون بين البلدين، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة مشاركا فاعلا في النسخة المعاصرة من طريق الحرير -وهي مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي تعمل على تعزيز الشراكات الاقتصادية بشكل أكبر، وبناء روابط جديدة وعلاقات تعاون عابرة للحدود والثقافات.
ولعل من أبرز ثمار هذه العلاقات المزدهرة بين البلدين رؤية الأعداد المتزايدة من الشباب والبالغين المقبلين على تعلم اللغة الصينية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والفرص الواعدة للطلاب من الإمارات لمواصلة تعليمهم العالي في الصين، فضلا عن المبادرات العديدة التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الوثيقة بين شعبي البلدين، من خلال الأدوار التي تقوم بها هيئات ومؤسسات مختلفة كالمركز الثقافي الصيني في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تظهر هذه الصورة الملتقطة يوم 27 مايو 2024، مدرسة حمدان بن زايد في أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة. (شينخوا)
لقد كان من الواضح أن علاقتنا مع الصين قد نمت بشكل كبير حتى تحولت اليوم إلى شراكة استراتيجية شاملة ومتعددة الأوجه.
وقد شهد العام 2023 زيادة في حجم التجارة غير النفطية بين البلدين بنسبة 12 بالمئة ليصل إلى 81 مليار دولار أمريكي، وهذا ما يثير الإعجاب ويؤكد في الوقت نفسه على الشراكة الاقتصادية الديناميكية التي تطورت بين بلدينا.
وقد استثمرت دولة الإمارات بشكل كبير في الصين، بقيمة تصل إلى 11.4 مليار دولار أمريكي في الفترة ما بين 2003 و2022، حيث تتوزع هذه الاستثمارات على قطاعات رئيسية مثل العقارات، والخدمات المالية، والطاقة الخضراء، والنقل. فيما بلغ حجم الاستثمارات الصينية في دولة الإمارات خلال نفس الفترة 6.9 مليار دولار أمريكي، ما يبرز الطبيعة التبادلية لعلاقاتنا الاقتصادية.
ولا يقتصر التعاون الاقتصادي بين الإمارات والصين على التجارة والاستثمار فقط، وإنما يمتد إلى بناء مستقبل أكثر ترابطا ومرونة.
نحن ملتزمون بتسخير مواردنا وخبراتنا في دعم جهود التنمية لدى بعضنا البعض. وهذا يشمل الشراكات المتعلقة بالطاقة النظيفة، والتكنولوجيا المبتكرة منخفضة الكربون التي تعزز رحلتنا نحو مستقبل مستدام. وهذا الدعم المتبادل يتضح جليا في الشراكات الاستراتيجية التي قمنا ببنائها والتي تهدف إلى تحسين البنى التحتية والقدرات الصناعية في كلا البلدين.
إلى جانب ذلك، يجمع دولة الإمارات والصين التزام راسخ ومتجذر بتعزيز آليات التعاون الدولي لصالح البشرية جمعاء.
وتسترشد مشاركتنا في منظمات كالأمم المتحدة ومجموعة دول البريكس برؤية مشتركة لعالم أكثر انصافا وازدهارا. ومن خلال تواجدنا معا في مثل هذه المحافل، فإننا نعمل على تعزيز الحوار، وتشجيع بناء توافقات أكبر، وضمان التمثيل العادل لكافة الأصوات أثناء معالجة القضايا العالمية التي تؤثر علينا جميعا، بما في ذلك التغير المناخي، والتنمية المستدامة، وجهود بناء السلام.
وخلال الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني-العربي الذي عُقد في بكين الأسبوع الماضي، اتخذ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الصيني شي جين بينغ خطوات إضافية لتعزيز روابط المشاركة والتواصل متعددة الأطراف. وتؤمن دولة الإمارات إيمانا راسخا بأهمية بناء الجسور لدعم الاستقرار - سواء كان ذلك بين الشرق والغرب، أو بين الجنوب والشمال - ونحن على ثقة بأن الصين شريك لنا يشاطرنا نفس الأهداف والغايات.
وفي هذه الحقبة من التحديات العالمية غير المسبوقة، تتبنى دولة الإمارات في ظل القيادة الرشيدة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، موقفا واضحا بخصوص عدد من القضايا ذات الأولوية: سنواصل الدعوة لتبني نهج متعدد الأطراف لحل التحديات العالمية، ونؤكد على أهمية الحوار والاحترام المتبادل، ونؤمن بقوة الشراكات في دفع جهود الابتكار، وتعزيز المرونة الاقتصادية، ودعم جهود السلام. وفي النهاية، فقد نجح التعاون الإماراتي-الصيني في إرساء نموذج يظهر قوة التعاون بين الأمم ودوره في تحقيق الأهداف المشتركة.
وبينما نحتفل بهذه الذكرى المهمة، أود أن أعبر عن تقديري وامتناني لحكومة وشعب جمهورية الصين الشعبية لتعاونهم وصداقتهم القوية مع دولة الإمارات. إن الروابط التي قامت قبل آلاف السنين وتطورت على مدار العقود الأربعة الماضية نتج عنها اليوم علاقات راسخة بين الإمارات والصين. ونحن على ثقة أن شراكتنا سوف تستمر بالنمو والتطور على المدى القريب والبعيد، حاملة معها الازدهار والاستقرار لشعبي البلدين وللعالم أجمع.
ملحوظة المحرر: حسين بن إبراهيم الحمادي هو سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الصين.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).