مقالة خاصة: الاستثمارات الأجنبية في الصين تقفز وتبرز الثقة العالمية في الاقتصاد الصيني
بكين 2 مارس 2023 (شينخوا) بدأ الاقتصاد الصيني عام 2023 بقوة كبيرة. إذ أشارت الشوارع الصاخبة والمصانع الطنانة إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم من المقرر أن يشهد انتعاشا أسرع من المتوقع هذا العام.
فقد ذكرت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) في تقرير لها يوم 14 فبراير الحالي أن "المستثمرين العالميين يضخون الأموال في صناديق تتعقب الأسهم الصينية".
وغالبا ما تبشر اتجاهات الاستثمار باتجاه الاقتصاد. فنظرا لتفاؤلهم بالفرص التي أتاحها انتعاش الصين القوي، وإيمانهم بأن البلاد ستواصل دفع النمو الاقتصادي العالمي، اتخذ المستثمرون العالميون خطوات ملموسة لإظهار ثقتهم في الآفاق الاقتصادية للصين، حسبما قال مراقبون.
-- جذب الاستثمار الأجنبي
أضاف المستثمرون أكثر من ملياري دولار أمريكي على أساس صاف هذا العام إلى الصناديق المشتركة والمتداولة في البورصة ومقرها الولايات المتحدة والتي تشتري الأسهم الصينية، وفقا للبيانات الصادرة عن ((ريفينتيف ليبر)). وقد شكل ذلك خمسة أسابيع متتالية من التدفقات الوافدة، وتزامن مع خروج جماعي من صناديق الأسهم التي تركز على الولايات المتحدة.
ارتفع مؤشر "أم أس سي آي الصين"، الذي يتتبع الشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة وهونغ كونغ والبر الرئيسي الصيني، بنحو 45 في المائة عن أدنى مستوياته في أكتوبر الماضي. كما ترى غولدمان ساكس ارتفاعا محتملا بنسبة 24 في المائة في مؤشر "إم إس سي أي الصين" بحلول نهاية عام 2023.
ووفقا لاستبيان بنك أوف أمريكا لآراء مديري صناديق الاستثمار لشهر فبراير، قال 21 في المائة من المستطلعة آراؤهم إنهم يعتقدون أن الوضع الصعودي للأسهم الصينية هو عملية التداول التي تشهد أكبر تزاحم في الوقت الحالي. كما استطاعت "أسهم الصين الطويلة" إزاحة "الدولار الأمريكي الطويل" عن عرشه.
ونقلت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) عن جيسون دراهو، رئيس قسم تخصيص الأصول في الأمريكتين التابع لوحدة إدارة الثروات العالمية في ((يو بي إس))، قوله إن "قصة النمو على أساس نسبي أكثر جاذبية في الصين وأجزاء من آسيا مما هي عليه في الولايات المتحدة".
وذكرت ((نيكي آسيا)) في مطلع فبراير أن "الأسهم الصينية تسجل عمليات شراء أجنبية قياسية" بعد أن حسنت البلد إجراءات الوقاية من جائحة كوفيد-19 ومكافحتها وعدلتها.
فقد اشترى مستثمرون عالميون مثل ((أبالوسا للإدارة) المزيد من أسهم الشركات الصينية، في حين شهدت أسهم بعض الشركات متعددة الجنسيات مثل ((فولكس فاجن إيه جي)) و((أبل))، اللتين تقومان بأعمال تجارية كبيرة في الصين، ارتفاعا أيضا.
وكان المستثمرون الأجانب حريصين على اغتنام فرص التعافي الاقتصادي في الصين.
فقد ذكرت وزارة التجارة الصينية أن الاستثمار الأجنبي المباشر قيد الاستخدام الفعلي في البر الرئيسي الصيني، توسع بنسبة 14.5 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 127.69 مليار يوان في يناير الماضي. ومن حيث القيمة بالدولار الأمريكي، ارتفع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 10 في المائة على أساس سنوي ليبلغ 19.02 مليار دولار أمريكي.
وذكرته شبكة ((سي إن إن)) الإخبارية أن الملياردير الفرنسي برنار أرنو، الرئيس التنفيذى لشركة ((إل في إم إتش)) لصناعة السلع الفاخرة، قال في محادثة جماعية عبر الهاتف مؤخرا "لدينا كل الأسباب التي تجعلنا واثقين، بل متفائلين، إزاء السوق الصينية".
-- تسريع وتيرة الانتعاش الاقتصادي
قال خبراء إن السوق الصينية تحظى بتقدير كبير من قبل المستثمرين الأجانب، مع استمرار تزايد العوامل المساهمة في نمو الاقتصاد الصيني. وإن العالم شهد بداية سريعة للاقتصاد الصيني واستشعر انتعاشا سريعا في الدولة الشاسعة الواقعة في شرق آسيا.
جاء مؤشر مديري المشتريات لقطاع التصنيع في الصين عند مستوى 50.1 في يناير، وعاد إلى التوسع بعد ثلاثة أشهر متتالية من الانكماش. ويشير ذلك إلى تزايد التفاؤل في السوق.
خلال عطلة عيد الربيع التي استمرت أسبوعا في الصين وانتهت يوم 27 يناير، بلغت إيرادات السياحة الداخلية 375.8 مليار يوان (54.3 مليار دولار) بزيادة 30 في المائة عن العطلة في العام الماضي. وارتفعت الإيرادات المجمعة للأعمال الرئيسية الخاصة بالبيع بالتجزئة والمطاعم بواقع 6.8 في المائة عن عطلة عيد الربيع في العام الماضي.
كما حقق شباك تذاكر السينما في الصين أرباحا بلغت 6.76 مليار يوان (ما يقرب من مليار دولار)، وهو ثاني أعلى رقم إجمالي في العطلة السنوية.
"لقد تسارعت وتيرة النشاط الاقتصادي في الصين في فبراير حيث عاد العديد من السكان إلى العمل بعد عطلة ممتدة بمناسبة العام القمري الجديد، ما أدى إلى انسداد الطرق في المدن الكبرى وإنفاق المزيد مع ارتياد المطاعم والمحلات التجارية"، حسبما ذكرت ((بلومبرغ))، التي أشارت إلى أن أحدث استطلاع لرأي المستهلكين في الصين أجرته مجموعة ((يو بي إس غروب إيه جي)) أظهر أيضا زيادة في تناول الطعام بالخارج والتسوق في المتاجر وأنشطة الترفيه غير الإلكترونية.
لقد أصبح الاقتصاد الصيني نورا ساطعا في الاقتصاد العالمي، والمؤسسات الدولية متفائلة على نطاق واسع بشأن آفاق النمو في الصين.
فقد توقع صندوق النقد الدولي في يناير أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2 في المائة في عام 2023، بزيادة 0.8 نقطة مئوية عن توقعاته في أكتوبر 2022.
وعدلت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني توقعاتها للنمو الاقتصادي الصيني في عام 2023 إلى 5 في المائة من 4.1 في المائة. كما رفع كل من بنك أوف أمريكا ومورجان ستانلي توقعاتهما إلى 5.5 في المائة و5.7 في المائة على التوالي.
-- تحفيز النمو العالمي
قال العديد من المراقبين والمؤسسات إن دور الصين "كمحرك رئيسي للنمو العالمي" لم يتغير، معربين عن اعتقادهم بأن الاقتصاد الصيني المنتعش سيحقق تنمية عالية الجودة وسيضخ زخما جديدا في الانتعاش الاقتصادي العالمي.
توفر السوق الصينية فائقة الحجم طلبا مطردا للاقتصاد العالمي، حيث ارتفع إجمالي تجارتها من السلع بنسبة 7.7 في المائة على أساس سنوي في عام 2022، متصدرة العالم لست سنوات متتالية. وارتفعت وارداتها في عام 2022 بنسبة 4.3 في المائة لتصل إلى 18.1 تريليون يوان (2.62 تريليون دولار).
يرى خيري تورك، أستاذ الاقتصاد في كلية ستيوارت للأعمال في معهد إلينوي للتكنولوجيا في شيكاغو بالولايات المتحدة، زخما في الاقتصاد الصيني.
وقال تورك إنه عندما تعاني الدول المتقدمة من ركود عميق، فإن "الصين فقط هي الدولة التي ستظل محركا رئيسيا للنمو العالمي"، مشيرا إلى المزايا المتمثلة في وجود بنية تحتية من الدرجة الأولى وقوى عاملة عالية الجودة وسوق ضخمة في الصين.
بعد توقف دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كوفيد-19، ضغطت رحلات المجموعة السياحية الصينية إلى الخارج على "زر إعادة التشغيل"، ووصلت الدفعة الأولى من السياح الصينيين إلى تايلاند وكمبوديا والإمارات العربية المتحدة، من بين دول أخرى.
ووفقا لتوقعات منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، فإن إعادة تنظيم الرحلات إلى الخارج ستعزز كثيرا انتعاش السياحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وحتى العالم بأسره.
ذكر تقرير صادر عن مؤسسة جولدمان ساكس للأبحاث يوم 10 فبراير الجاري أن تعديل الصين لاستجابتها لجائحة كوفيد-19 لن يسرع من تعافيها الاقتصادي فحسب، بل سيعزز أيضا النمو الاقتصادي العالمي.
ونقل التقرير عن الخبيرين الاقتصاديين في بنك جولدمان جوزيف بريجز وديفيش كودناني قولهما إن "خلفية النمو العالمي قد سطعت".
وأشار التقرير إلى أن بريجز وكودناني "يتوقعان أن تكون الآثار غير المباشرة الأوسع نطاقا للنمو الصيني -- بما في ذلك الظروف المالية العالمية الأكثر ملاءمة وزيادة التجارة مع البلدان الأخرى -- أكبر".