ثلاث سنوات في عاصمة الخزف.. شاب مصري يستكشف مستقبله عبر تاريخ الخزف العريق

التاريخ: 2022-10-01 المصدر: شينخوا
fontLarger fontSmaller

نانتشانغ 30 سبتمبر 2022 (شينخوا) "هذه القطعة الأثرية من الخزف الأبيض والأزرق تعود إلى أكثر من 600 سنة." يقف مهدي أحمد، شاب مصري أمام قطعة أثرية في متحف جامعة الخزف في جينغدهتشن بمقاطعة جيانغشي شرقي الصين، ويشرح لصديقه بحماسة تاريخ الخزف وطرق صناعته التقليدية.

جاء مهدي إلى مدينة جينغدهتشن، التي تعتبر عاصمة الخزف الصينية وتشتهر بتاريخها الطويل لصناعة أفضل خزف، جاء من مصر منذ ثلاث سنوات، ليدرس الماجستير في جامعة الخزف في جينغدهتشن، وتجول في المكان كأنه فرد من أهل المدينة العريقة.

بعد تخرجه من كلية الآثار بجامعة الفيوم، في قسم الآثار الإسلامية، شعر مهدي أن لديه المزيد من التطلعات تتخطى عمله الإداري بالجامعة. وبنصيحة من صديق، بدأ مهدي في التفكير في دراسة تاريخ الخزف الصيني.

قال مهدي إنه بمجرد ذكر كلمة "الخزف" في البلاد العربية، يتوارد إلى ذهن الناس على الفور "الصين". إلا أن معرفته كانت محدودة للغاية عن الصين والخزف الصيني، فبحث بعمق عن المزيد من المعلومات حول الموضوع، وكلما قرأ عن الخزف شعر بارتباط غير مفهوم معه، ومن ثم تقدم بأوراقه إلى الجامعة عبر موقع المنح الصينية للطلاب الأجانب، واختار الدراسة في الجامعة المذكورة، متخصصا في علوم الآثار والمتاحف.

تدور موضوعات البحث الحالية لمهدي حول "الخزف الصيني الأبيض والأزرق" والحروف العربية على الخزف من عهد أسرة تانغ إلى عهد أسرة مينغ. قال مهدي: "ظهرت الحروف العربية على الخزف الصيني منذ عهد أسرة تانغ، وتطورت في عهد أسرتي سونغ ويوان، ثم أصبحت الحروف العربية تظهر على الخزف الصيني بكثافة وبشكل متنوع في عهد أسرة مينغ".

فمنذ أكثر من 700 عام، جاءت صبغة معدنية من منطقة شبه الجزيرة العربية إلى الصين عبر طريق الحرير القديم، أطلقوا عليها اسم "سوماليتشينغ"، دُمجت هذه الصبغة الزرقاء مع الخزف الصيني، ومنذ ذلك الحين ولد "الخزف الصيني الأبيض والأزرق" الشهير في عهد أسرة يوان. وسرعان ما أصبح هذا النوع من الخزف ذائع الصيت بشكل تدريجي في جميع أنحاء العالم، وأصبح بطاقة عالمية للصين.

وقال مهدي، فمن الناحية التاريخية، يعتبر الخزف الأزرق والأبيض كنزًا كرسته الحضارتان الصينية والعربية للعالم، ويمكن القول بأن "الخزف الأبيض والأزرق" هو رمز التكامل والتعلم المتبادل للحضارتين.

ذكر مهدي، بمجرد الوصول إلى جينغدهتشن، نسي عناء السفر الذي تكبده من القاهرة إلى هنا، "فقد انتابني شعور مفاجئ بأنني دخلت إلى متحف مفتوح وممتد للأعمال الفنية الخزفية. كل شيء حولي عبارة عن عمل فني من الخزف." كان مهدي مدهوشا بالتماثيل التي تزين بوابات المباني والمحلات والشوارع، وحتى أعمدة الإنارة وصناديق القمامة على جانبي الطريق وأدوات الطعام، وفرشاة الأسنان والأكواب والصحون... "جميعها من الخزف المحلي الرائع المزين برسومات تاريخية وعصرية!" وأضاف أن بعض الرسومات يحكي أساطير صينية قديمة والبعض الآخر هو لوحات عصرية نابضة بالحياة والبهجة والخيال الفني الخصب.

قال: "وقعت في حب المدينة من أول نظرة، فهي مثال حيّ للجمع بين أصالة الماضي وجمال الحاضر."

رغم البداية الجيدة، فمع أول محاضرة له عن تاريخ الخزف بدأت المتاعب، يتحدث الأستاذ أغلب الوقت باللغة الصينية، وكان مهدي لم يكن يعرف منها سوى بضع كلمات للاستخدام اليومي، كأن يسأل أحدهم "كيف حالك؟" أو "كيف أذهب إلى مطعم الجامعة؟".

انتظم بعد ذلك في حضور دروس اللغة الصينية التي تقدمها الجامعة للطلاب الوافدين، وعكف على دراسة اللغة الصينية بنفسه يوميا، ودائما ما يحاول التحدث بالصينية مع زملائه وأساتذته لتنمية قدراته اللغوية في أسرع وقت. ووجد مهدي حيلة ناجحة وهي أن يخرج ويتحدث إلى الباعة والناس في الشوارع ما أكسبه طلاقة لغوية عالية ولكنة محلية مميزة.

وبعد فترة لم تتجاوز السنة، أصبح مهدي يتحدث اللغة الصينية بسلاسة، ويعرف بعض الكلمات والتعبيرات المحلية التي جعلت تواصله مع أساتذته ومع الناس في المدينة أكثر حميمية وسهولة.

في عيني مهدي، كانت مدينة جينغدهتشن مدينة رائعة، وأكثر ما يعجبه، بالإضافة إلى الخزف، هي المناظر الطبيعية الجميلة. الجبال الخضراء والبحيرات، والأعمال الفنية المنتشرة في كل ركن من المدينة. وقال "المدنية بأكملها كأنها ورشة عمل فنية للخزف."

فيما يتعلق بالأكل، كان الطعام المحلي في المدينة غير مستساغ في البداية، ولكن سرعان ما تعود عليه، ووجد أطباقا شهية مثل الشعرية الصينية الباردة بأسلوب "جيانغشي"، فهي لذيذة وطعمها مميز.

في حياته الدراسية، كان الجزء الأكثر إمتاعًا بالنسبة له هو الدراسة العملية، حيث يصحبهم الأساتذة إلى المواقع الأثرية والمتاحف والمباني القديمة في المدينة، لشرح تاريخ الخزف عمليا، هذه الأوقات هي الأسعد بالنسبة إلى مهدي لأنه يتعرف على التاريخ الحقيقي للخزف في عاصمتها، وهي أيضا فرصة عظيمة يتطلع إليها جميع المتخصصين في علم الآثار حول العالم.

من أجل دعم الطلبة في دراستهم وإعدادهم لريادة الأعمال بعد التخرج، تقدم الحكومة المحلية بالتعاون مع الجامعة منحا، وتوفر مواد صناعة الخزف وورشا حديثة للطلاب الراغبين في تحقيق أحلامهم الفنية على أرض الواقع، بل وتقيم المدينة معرضا أسبوعيا بوسط المدينة للفنانين والطلاب لعرض أعمالهم الفنية وجني الأرباح.

سيتخرج مهدي في جامعة الخزف الصينية عام 2023. فيما حول خططه المستقبلية، قال مهدي إنها ليست واضحة حتى الآن، إلا أنه يميل كثيرا إلى البقاء في الصين، وبخاصة في مدينة جينغدهتشن، حيث أن الاحتمالات كثيرة فيها وجميع الأبواب مفتوحة أمامه. كما فكر في الحصول على تمويل وريادة الأعمال الخاصة بالخزف، أو قد يعمل في مجال التنقيب عن الآثار الخزفية أو إدارة المتاحف. فالدعم الحكومي وحيوية المدينة يجعلانه متحمسا للبقاء في الصين ومحاولة شق طريقه في هذا المجال والمساهمة في ترويج الخزف الصيني إلى العالم.

حتى الآن، استقطبت جامعة الخزف في جينغدهتشن أكثر من 3000 طالب دولي من أكثر من 60 دولة ومنطقة حول العالم للدراسة. وبفضل الدعم المستمر للطلاب خلال الدراسة وكذلك البيئة المحلية الصديقة للحياة والعمل، يختار الكثير منهم البقاء في المدينة بعد التخرج وبدء أعمالهم التجارية الخاصة في قطاع الخزف أو الفنون ذات الصلة بالخزف، ويسعون وراء أحلامهم الحديثة في هذه المدينة الحرفية التقليدية.

تحرير: تشن لو يي