مقالة خاصة: موسم قطف العنب يساعد مسنا فلسطينيا على حماية موروث ثقافي من الاندثار
الخليل 21 سبتمبر 2022 (شينخوا) ما أن تطأ أقدام الزائر فناء منزل المسن الفلسطيني إسماعيل عرفة في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، حتى يجد نفسه محاطا بعشرات الأواني النحاسية الضخمة التي تعتلي أكوام من الحطب المشتعل.
وللحظات يجد الزائر نفسه منشغلا في تمييز تلك الروائح العطرية المنبعثة من الأقدار، قبل أن يعلم بأن المسن عرفة يقوم بطهي أصناف متنوعة من محصول العنب الذي تشهد الأراضي الفلسطينية موسم حصاده حاليا.
ويشتري المسن عرفة (71 عاما) أطنان من محصول العنب على نفقته الخاصة من قبل تجار المدينة من أجل صناعة منتجاته في محاولة للحفاظ على مهنة الآباء والأجداد وتسويقه محليا.
ويمثل العمل الذي يقوم به عرفة وهو أب لستة أبناء مصدر سعادة وفخر كونه دأب عليه لأعوام طويلة منذ كان طفلا صغيرا عندما ساعد جده ووالده في صناعة منتجات العنب.
ويقول عرفة لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما يتنقل بين أقداره لمراقبة صناعته، "منذ ذلك الوقت، وبدأت أنتظر موسم قطف العنب سنويا من أجل إحيائه وأجعله الميزة الأساسية في منزلي للزائرين والأقارب والجيران".
وتشتهر الخليل بإنتاج أكثر من 15 صنفا من العنب يتميز معظمها باحتوائه على نسبة عالية من السكر، حيث تحتل المرتبة الثانية بعد زراعة أشجار الزيتون من حيث كمية الإنتاج التي تقدر بنحو 12% من إجمالي الإنتاج الزراعي في الأراضي الفلسطينية، بحسب إحصائيات رسمية.
ويقول الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقرير صادر في عام 2020 إن الأراضي المزروعة بكروم العنب تقدر بأكثر من 80 ألف دونم، منها 45 ألف دونم في الخليل و15 ألف دونم في بيت لحم جنوب الضفة الغربية.
ويقدر الإنتاج السنوي من العنب بنحو 80 ألف طن سنويا في الضفة الغربية، منها 52 ألف طن في الخليل وحدها بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ويشكو السبعيني بينما يحرك بملعقة كبيرة أحد القدر التي يطهو بها، من أن "التطور التكنولوجي والحضاري أدى لتراجع الكثير من الموروثات الثقافية في المجتمع الفلسطيني، من بينها المحافظة على استثمار المواسم الزراعية وتصنيع منتجاتها محليا".
ويقول "للأسف، تراجعت مهنة صناعة منتجات العنب المحلية بسبب هذا التطور، قبل عدة أعوام كان حوالي 20 مسنا يعملون مع أبنائهم في هذا المجال، لكن حاليا، اقتصر الأمر على اثنين فقط (أنا أحدهما)".
وأوضح عرفة بأنه مع موت الكبار كان يتخلى الصغار (الأبناء) عن موروث آبائهم في هذا المجال ويتجهون إلى مهن أخرى.
لذلك، يضيف الرجل المسن، "ما زلت أحافظ على هذا الموروث (التاريخي) ليس فقط من خلال صناعة مختلف الأصناف من منتجات العنب، ولكن أيضا من خلال الأدوات البدائية التي كان يعتمدها آباؤنا وأجدادنا في صناعتهم".
ويتابع "اضطررت إلى استخدام وسائل أخرى في عملية الطهي مثل البوتاغاز وأواني الألومنيوم، ولكنني وجدت بأنها تقلل من المذاق الذي تمتاز به منتجاتنا (...) ببساطة لقد تأكدت بأن الأواني النحاسية والطهي على النار هي أساس نكهة ومذاق وجودة تلك المنتجات".
وفي محاولة لترسيخ هذه الثقافة في مجتمعه، عمد المسن على نقل خبراته في إنتاج أصناف العنب إلى أبنائه على الرغم من انخراطهم في مجالات مهنية أخرى مثل الطب والهندسة والتدريس، الذي سيقومون بدورهم بتوريثها لأبنائهم.
وعاد خالد عرفة (38 عاما) الذي يعمل مهندسا كهربائيا مؤخرا من السعودية خصيصا من أجل تعلم فنون تصنيع منتجات العنب باعتباره جزء أساسي من الموروث الثقافي الفلسطيني.
ويقول خالد عرفة لـ ((شينخوا)) إن المجتمع الفلسطيني يعاني من اندثار بعض الأعمال المتعلقة بالطعام والفنون والأدب ولذلك نحن نقوم بالمحافظة على تاريخ "أجدادنا خاصة في ظل المحاولات المستمرة من إسرائيل لسرقة كل ما يتعلق بالتراث الفلسطيني".
ويتابع عرفة الذي يعمل مع أشقائه في حصد محصول العنب وتصنيع منتجاته أن التطور لا يتعارض مع الحفاظ على التراث والثقافة القديمة، مؤكدا أهمية "الجمع بينهما على مبدأ من ليس له ماضي لن يكون له حاضر".
ولا تبدو العملية سهلة بالنسبة لعرفة وأبنائه، حيث أنه يستغرق وقتا طويلا لتحضير أدواته التي يحتاجها لعملية الإنتاج والتي قد تمتد لشهور طويلة، مشيرا إلى أنه اعتاد على شراء حوالي 60 طنا من الحطب في فصل الشتاء وتخزينها في مزرعته لحين بدء موسم قطف العنب.
وعادة ما يقوم عرفة بإنتاج الزبيب (عنب مجفف) والدبس (شراب مركز داكن اللون) والملبن (حلوى) وخل العنب، حيث أنتج هذا العام 5 أطنان دبس و8 أطنان ملبن ولم يستطع صناعة الزبيب بسبب عدم ملاءمة ثمار العنب لمواصفات هذه الصناعة.
ويتم تسويق منتجات عرفة وأبنائه في الأسواق الشعبية والمراكز التجارية، حيث تلاقي استحسانا من الزبائن خاصة كونها تخلو من أي مواد حافظة.