مقالة خاصة: منظمة شانغهاي للتعاون تنمو من كيان إقليمي إلى قوة عالمية من أجل تحقيق التنمية والأمن للجميع
الرئيس الصيني شي جين بينغ يقف لالتقاط صورة جماعية مع قادة وضيوف آخرين قبيل الاجتماع الـ22 لمجلس رؤساء الدول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون في سمرقند، أوزبكستان 16 سبتمبر 2022. (شينخوا)
سمرقند، أوزبكستان 16 سبتمبر 2022 (شينخوا) في الوقت الذي التقى فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ وقادة عالميون آخرون هنا يوم الجمعة لحضور الاجتماع الـ22 لمجلس رؤساء دول منظمة شانغهاي للتعاون، يقف المجتمع البشري عند منعطف حاسم ويكافح من أجل التعامل مع سيل من التحديات العالمية غير المسبوقة.
وخلال كلمته أمام القمة، وصف الرئيس شي منظمة شانغهاي للتعاون بأنها "قوة بناءة مهمة في الشؤون الدولية والإقليمية"، قائلا إنها تتحمل مسؤولية مهمة تجاه دعم السلام والتنمية في قارة أوراسيا.
-- الأمن المشترك
في عالم يعتمد بعضه على بعض بدرجة عالية، ترتبط مصائر الأمم ارتباطا وثيقا ببعضها البعض. علاوة على ذلك، لن تكون هناك تنمية يمكن الحديث عنه بدون توافر الأمن.
لقد ولدت منظمة شانغهاي للتعاون قبل أكثر من عقدين من الزمان بمهمة أساسية وهي مكافحة القوى الثلاث المتمثلة في الإرهاب والانفصالية والتطرف. وعلى مر السنين، ظل التعاون الأمني محط تركيز رئيسي للدول الأعضاء في إطار منظمة شانغهاي للتعاون.
فمن التوقيع على اتفاقية مكافحة الإرهاب وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة وصولا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد نشر الفكر المتطرف على الإنترنت والعمل على دفع عملية السلام في أفغانستان قدما، شهدت منظمة شانغهاي للتعاون تعاونا أمنيا مزدهرا بين أعضائها على الساحتين الإقليمية والدولية. ومن أجل بناء عالم أكثر أمنا، يمكن لأعضاء منظمة شانغهاي للتعاون بل وينبغي عليهم أن يفعلوا المزيد.
وفي كلمته خلال قمة منظمة شانغهاي للتعاون في سمرقند يوم الجمعة، حذر الرئيس شي من أن العالم اليوم ليس مكانا ينعم بالسلام، في حين أن التنافس بين مجموعتين من الخيارات المتعلقة بالسياسات -- الوحدة أو الانقسام، التعاون أو المواجهة -- يزداد حدة. ثم دعا إلى بذل جهود لمواصلة تهيئة بيئة مواتية لتنمية ونهضة الدول الأعضاء.
ولدى دعوته المجتمع الدولي إلى توسيع التعاون الأمني، قال إنه "من أجل سد عجز السلام وتجاوز المأزق الأمني العالمي، طرح الجانب الصيني مبادرة الأمن العالمي التي تدعو كافة الدول إلى الالتزام بمفهوم الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستدام، والدفع بإقامة منظومة أمنية متوازنة وفعالة ومستدامة".
وأضاف "نرحب بجميع الأطراف للمشاركة في تنفيذ هذه المبادرة".
ومن جانبه، أشار سيرغي لوكونين، رئيس قسم شؤون السياسة والاقتصاد الصينية في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إلى أن مبادرة الأمن العالمي التي اقترحها الرئيس شي "يمكن بالتأكيد أن تقدم اتجاهات جديدة أخرى ترمي إلى تحقيق التنمية السلمية للعالم بأسره".
أما جوزيف ماثيوز، الأستاذ البارز في جامعة بيلتي الدولية في بنوم بنه، فقال "تحدوني الثقة بأن مبادرة الأمن العالمي ستساعد في بناء مجتمع عالمي ينعم بالأمن ويتسم بكونه غير قابل للتجزئة وعادل ومنصف".
-- التنمية للجميع
بينما يواجه أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون تحديات أمنية مماثلة، فإنهم يتشاطرون أيضا تطلعات مشتركة إلى تحقيق تنمية مشتركة أفضل وأوسع نطاقا. في الواقع، خلال عقود من الزمان، نمت منظمة شانغهاي للتعاون لتصبح قوة رئيسية للتنمية المشتركة في المنطقة وما وراءها.
وفي إطار مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، أطلقت منظمة شانغهاي للتعاون العنان لفرص تنموية هائلة للمنطقة والعالم الأوسع من خلال بناء الربط البيني. كما تعمل على تعزيز المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق والاستراتيجيات التنموية لدول المنطقة.
فقد ارتفع الحجم الاقتصادي المجمع لدول منظمة شانغهاي للتعاون بواقع حوالي 13 ضعفا منذ تأسيسها. وبفضل التكامل الاقتصادي القوي بين أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون، ارتقت علاقاتهم التجارية أيضا على مر السنين. في عام 2021، بلغ حجم تجارة الصين مع أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون 343.1 مليار دولار أمريكي، بزيادة 40 في المائة على أساس سنوي. وبشكل عام، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية لأعضاء منظمة شانغهاي للتعاون 6.6 تريليون دولار حتى عام 2021، بزيادة قدرها 100 ضعف مقارنة بـ20 عاما مضت.
وفي استشرافه للمستقبل، حث الرئيس الصيني في قمة يوم الجمعة الأعضاء على السعي لتحقيق الشمول والمنافع المشتركة خلال تعزيزهم للتعاون التنموي، قائلا إنه يتعين عليهم العمل بنشاط على تعزيز تحرير التجارة والاستثمار وتسهيلهما، وضمان الأداء المستقر والسلس لسلاسل الصناعة والإمداد، والتشجيع على التدفق المنظم للموارد وعوامل الإنتاج، من أجل تحقيق قدر أكبر من التكامل الاقتصادي والتنمية في المنطقة.
في بيان ألقاه عبر دائرة الفيديو في المناقشة العامة للدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2021، اقترح الرئيس شي مبادرة التنمية العالمية لتوجيه التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل في مواجهة الصدمات الشديدة الناتجة عن جائحة كوفيد-19.
وخلال قمة منظمة شانغهاي للتعاون بسمرقند، تعهد بأن "الصين مستعدة للعمل مع جميع أصحاب المصلحة الآخرين لتنفيذ هذه المبادرة (مبادرة التنمية العالمية) في منطقتنا لدعم التنمية المستدامة لدول المنطقة".
ومن جانبه، قال الرئيس القرغيزي صدير جاباروف إن مبادرة التنمية العالمية تتوافق مع اتجاه العصر وتطلعات شعوب جميع البلدان المتمثلة في: الرغبة في تحقيق السلام والتعاون والتنمية.
ولدى وصفه مبادرة التنمية العالمية بأنها "رائعة"، ذكر محمدجون عبيدوف، رئيس الاتحاد الإبداعي للصحفيين في منطقة فرغانار بأوزبكستان أن "رسالة هذه المبادرة تكمن في ضرورة تعزيز الحد من الفقر، وضمان الأمن الغذائي والتنمية الدينامية، والأهم من ذلك، بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للتنمية العالمية".
-- الالتزام بروح شانغهاي
في الوقت الذي يصارع فيه المجتمع العالمي تحديات مشتركة مثل جائحة كوفيد-19 التي تراوح مكانها وارتفاع درجة حرارة الكوكب، لا يمكن لأي بلد أن يتصدى لها بمفرده. وعلى مر السنين، نجحت منظمة شانغهاي للتعاون في استكشاف مسار يهدف إلى تعزيز التضامن العالمي لمواجهة هذه التحديات استرشادا بروح شانغهاي.
تتمثل الخبرة المستمدة من نجاح منظمة شانغهاي للتعاون في أنه يتعين على الدول احترام المصالح الأساسية وخيار مسار التنمية لبعضها البعض؛ ويتعين عليها الالتزام بمبدأ التشاور والتعاون من أجل تحقيق منافع مشتركة؛ ويتعين عليها معاملة بعضها البعض على قدم المساواة، ورفض الممارسة المتمثلة في تنمر الكبير والقوي على الصغير والضعيف؛ وإنها بحاجة إلى دعم التعايش المتناغم والتعلم المتبادل بين مختلف البلدان والأمم والثقافات، والحوار بين الحضارات والبحث عن أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبا.
"علينا أن نحافظ بكل ثبات على المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها والنظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي، ونكرس القيم المشتركة للبشرية جمعاء، وننبذ اللعبة الصفرية وسياسة التكتلات... ونتمسك بتعددية الأطراف الحقيقية، ونعمل سويا على استكمال الحوكمة العالمية، وندفع يدا بيد تطور النظام الدولي نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا"، حسبما قال الرئيس شي.
إن حقيقة قيام منظمة شانغهاي للتعاون بقبول أعضاء وشركاء حوار جدد يمكن أن تثبت شمول المجموعة فضلا عن تزايد مكانتها العالمية. في قمة يوم الجمعة، أصبحت إيران رسميا عضوا كامل العضوية في منظمة شانغهاي للتعاون. كما بدأ الاجتماع الإجراءات الخاصة بانضمام بيلاروس، ومنح مصر والمملكة العربية السعودية وقطر وضع شركاء حوار بمنظمة شانغهاي للتعاون، وتوصل إلى اتفاق بشأن قبول البحرين وجزر المالديف ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وميانمار كشركاء حوار جدد. إن توسع منظمة شانغهاي للتعاون يجعل المنظمة قوة أقوى من أجل الإنصاف والعدالة في العالم.
وتلك الممارسات التي تتبعها منظمة شانغهاي للتعاون تجسد تماما روح شانغهاي، المتمثلة في: الثقة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة، والمساواة، والتشاور، واحترام الحضارات المتنوعة، والسعي للتنمية المشتركة.
وفي هذا الصدد، قال فرهاد جوانبخت خيرآبادي، الباحث في الشؤون الصينية بجامعة الشهيد بهشتي في إيران، إن "التعاون والتنسيق في إطار منظمة شانغهاي للتعاون يمكن أن يعملا على إرساء أساس لتوسيع التعددية، والمساعدة في حل المشكلات العالمية وبث الأمل في نفوس الناس".
واتفق أليكسي أفدونين، المحلل في المعهد البيلاروسي للدراسات الاستراتيجية، مع جوانبخت خيرآبادي في الرأي، قائلا إن منظمة شانغهاي للتعاون لم تجلب منافع لشعوب الدول الأعضاء فحسب، بل جلبت أيضا السلام والنظام والرخاء للعالم.
وفي ضوء رغبة المزيد من الدول في الانضمام لمنظمة شانغهاي للتعاون، يتبين من ذلك أن رؤية منظمة شانغهاي للتعاون تترسخ في قلوب الناس، وتلعب دورا ملموسا في تعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.