مقالة خاصة: المشروع الرائد في السويس يروي قصة التعاون الديناميكي بين الصين ومصر بعد خمس سنوات من إطلاقه
منح التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر نظرة جديدة تماما لما كانت سابقا مجرد صحراء تطل على البحر الأحمر بالقرب من قناة السويس، وبالتالي، فقد غيّر التعاون مصيرها بالمعنى الحرفي لهذا التعبير.
ولتوفير سبل الراحة للآلاف من السكان الجدد في منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر، والمناطق المحيطة بها، والتي تقع على مسافة حوالي 120 كم شرق العاصمة المصرية القاهرة، من المقرر أن تقدم شركة الحافلات المصرية (جو باص) خدمات النقل بالحافلات إلى المنطقة خلال العام الجاري.
وقال أحمد رضوان، المدير التنفيذي لشركة (تيدا مصر) للاستثمار: "لقد اختارت شركة (جو باص) إقامة محطات هنا بسبب المجتمع الحضري الذي ظهر في المنطقة".
وفي 21 يناير 2016، خلال زيارة دولة قام بها إلى مصر، حضر الرئيس الصيني شي جين بينغ مراسم افتتاح المرحلة الثانية من المنطقة مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، واتفق البلدان حينها على توسيع التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وبعد خمس سنوات، باعتباره مشروعا رائدا في إطار مبادرة الحزام والطريق، شهدت المنطقة التي حظيت بتغييرات هائلة أيضا تعاونا قويا بين البلدين.
نمط "تيدا"
وفي مصر، يُطلق على منطقة التعاون أيضا اسم "تيدا"، وهي في الواقع اختصار لـ "منطقة تيانجين للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية". وفي عيون السكان المحليين، لا تمثل الأحرف الأربعة لكلمة "تيدا" الشركة المشغلة في المنطقة فحسب، بل تمثل أيضا نمطا للتنمية.
وكانت منطقة (تيدا)، الواقعة على بعد حوالي 150 كم شرق العاصمة الصينية بكين ويحدها بحر بوهاي من الشرق، قطعة أرض ذات تربة مالحة قلوية. ومع ذلك، فقد باتت منطقة صناعية حديثة بعد أكثر من 36 عاما من التطوير.
وفي تسعينيات القرن العشرين، وضعت الصين خطة لمساعدة مصر في بناء منطقة اقتصادية في السويس. وفي ظل ظروف جغرافية مماثلة وقصتها الخاصة للتحول الناجح، تولت شركة (تيدا) مهمة المساعدة في تطوير المشروع.
وفي عام 2008، انطلق مشروع منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر، ببناء المرحلة الأولى على مساحة 1.34 كم مربع. وفي عام 2016، أعلن رئيسا البلدين عن المرحلة الثانية من المشروع التي تغطي مساحة 6 كيلومترات مربعة.
ووفقا لخطة مدتها خمس سنوات (2016-2020) وقعتها الصين ومصر خلال جولة شي في مصر في عام 2016، تعهد الجانبان "بمضاعفة جهودهما" لتطوير المنطقة.
وخلال محادثاته مع السيسي، اقترح شي أن يعمل البلدان معا لجعل مصر محور ارتكاز على طول الحزام والطريق. كما تعهد شي بمشاركة الصين في المشروعات الرئيسية لمصر، بما في ذلك تطوير ممر قناة السويس وبناء عاصمة إدارية جديدة.
ومن جانبه، أعرب السيسي عن استعداد مصر لربط خططها التنموية بمبادرة الحزام والطريق ودعا إلى مزيد من الاستثمارات الصينية في بلاده.
وقال لي داي شين، المدير العام التنفيذي لشركة (تيدا) للاستثمار الصيني- الإفريقي المحدودة، وهي المطور والمشغل لمنطقة التعاون، إنه بفضل جهود الحكومتين، شهدت منطقة التعاون "تنمية فائقة السرعة" خلال السنوات الماضية.
وحتى الآن، اجتذبت المرحلة الثانية من المنطقة 15 شركة، وتم الانتهاء من إنشاء البنية التحتية لجزء تبلغ مساحته كيلومترين مربعين، مع تشغيل المرافق الداعمة بشكل جيد.
وبناءً على "نمط تيدا"، تم تحويل منطقة التعاون إلى مدينة صناعية بدلا من كونها مجرد مجموعة من الشركات الصناعية، وأصبحت مجهزة بالعديد من المرافق الترفيهية مثل الفنادق، وحتى مدينة للملاهي، (تيدا فن فالي)، والتي تجذب عشرات الآلاف من الزوار سنويا.
تعزيز التعاون
بنهاية 2020، جذبت منطقة التعاون 96 شركة وتخطت الاستثمارات بها 1.25 مليار دولار أمريكي. ومع تجاوز عوائد المبيعات 2.5 مليار دولار أمريكي، دفعت الشركات في المنطقة ضرائب تجاوزت 176 مليون دولار أمريكي، ووفرت 4000 فرصة عمل مباشرة و36 ألف فرصة توظيف في الصناعات ذات الصلة.
لكن أهمية منطقة التعاون امتدت أيضا إلى مناطق بعيدة خارجها.
في عام 2016، قال شي إن الصين مستعدة أيضا لتوسيع نطاق التعاون مع مصر في مجالات التجارة والقطاع المالي وتكنولوجيا الفضاء والطاقة وتنمية الموارد البشرية والأمن.
وأوضح لي داي شين أن "هذه الأنماط من التعاون الأعمق يتم تطبيقها بشكل تدريجي، بالإضافة إلى التعاون بشأن إنشاء البنية التحتية، وخاصة خلال العامين الماضيين".
ويمكن الآن للسيد محمد خالد غانم، المدير التنفيذي للاستيراد والتصدير في شركة يانجيانغ مصر للمواد الجديدة، إطلاق العنان لخبراته البالغة 15 عاما في مجال التجارة الخارجية، مع تواصل توسع التجارة الدولية في المنطقة.
وفي مايو 2019، وافقت الهيئة العامة لمنطقة قناة السويس الاقتصادية على تجارة الصادرات والواردات، ووافقت على مشروع لوجستيات مرهونة في منطقة التعاون، ما جعل شركة (تيدا) أول شركة أجنبية تمارس تجارة الرهن الدولية وتجارة إعادة التصدير في مصر.
وفي ديسمبر 2020، وضعت المرحلة الأولى من مخازن (تيدا) الجمركية الضخمة الممولة من الصين، قيد العمل بعد فحوصات القبول.
وفي نفس الشهر، افتتحت "ورشة لوبان الصينية" في مصر، والتي أتاحت دورا آخر لمنطقة التعاون -- كقاعدة للتدريب. وتعتبر "ورشة لوبان" مشروعا مدعوما من بلدية تيانجين شمالي الصين، مقر شركة (تيدا)، وتركز على التعاون الدولي في التدريب المهني.
ولفت لي داي شين إلى أن "ورشة لوبان مصر لا يمكنها فقط المساعد في توفير موارد عمالة مستقرة للشركات في المنطقة، ولكنها أيضا تُنمي مواهب لجميع أنواع المشاريع بطول الحزام والطريق".
محرك اقتصادي
بعد التعاون على مدار عقد من الزمان، أقام الزملاء الصينيون مع نظرائهم المصريين في المنطقة علاقات وثيقة، وهي العلاقات التي تم اختبارها في فترة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19). وبفضل التدابير الوقائية الفورية، استأنفت الشركات في المنطقة عملها بشكل سريع.
وقال تشانغ شياو يوي، نائب المدير العام لشركة (إكس دي إجيماك) لمهمات معدات كهربائية عالية الجهد، "لقد طبقنا تدابير مكافحة المرض بنجاح لضمان عدم وقوع أي حالات عدوى بالشركة. ووفرنا أيضا إعانات مالية إضافية لمن واصلوا عملهم وسط انتشار كوفيد-19".
وقال أشرف مصطفى، مدير عام الصناعة لشركة (إكس دي إجيماك)، إن الشركة اتبعت جميع التدابير الاحترازية، ولهذا لم يتضرر الإنتاج بشكل كبير.
وقال لين شيانغ تشون، مدير مصنع شركة يانجيانغ مصر للمواد الجديدة، إن شركته أقامت فرعا لها في مصر لزيادة النشاط التجاري في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا.
وتابع لين "عام 2020 كان صعبا، لكن شركتنا نجحت في تحقيق التوازن بين أعمال مكافحة المرض وإجراءات الإنتاج الاعتيادية، محققة زيادة في العائدات نسبتها 22 بالمئة على أساس سنوي."
وفي عام 2020، وبعد أن تغلبت التجارة الثنائية بين الصين ومصر على صعوبات كوفيد-19 وحافظت على زخم نموها، لا تزال الصين أكبر شريك تجاري لمصر.
وقال لي داي شين إنه بعد تجاوز عام 2020 الصعب، لدى معظم الشركات في منطقة التعاون الثقة الكاملة في التغلب على المرض وقدوم الفرص الجديدة، بالتأكيد.