وكالات دولية وخبراء يتوقعون أن تدفع الصين النمو العالمي في حقبة ما بعد الجائحة
في أحدث تقرير لها حول الآفاق الاقتصادية، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تكون الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي يسجل أداء إيجابيا في عام 2020 بنمو نسبته 1.8 في المائة.
بحلول نهاية عام 2021، من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى مستوى ما قبل الجائحة، مع توقع أن تمثل الصين أكثر من ثلث التوسع الاقتصادي العالمي، وفقا للتقرير الصادر في الأول من ديسمبر.
وقد رفعت هذه الأرقام المشجعة التي تعكس حيوية ومرونة الاقتصاد الصيني معنويات وكالات دولية وخبراء أجانب، حيث يعتقدون أن الصين، من خلال وضع خطة جديدة للتنمية وبذل وجهود دؤوبة لصياغة نمط جديد للنمو، ستستمر في دفع النمو العالمي في حقبة ما بعد الجائحة.
-- انتعاش الصين المتميز
لقد أعاقت الجائحة الاستثمارات وعرقلت تدفقات السلع والأفراد، ما عجل بأسوأ ركود منذ الكساد الكبير الذي حدث في ثلاثينيات القرن العشرين.
ووفقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سيتقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 4.2 في المائة هذا العام مع استمرار جائحة كوفيد-19 في إلحاق خسائر كبيرة بالاقتصادات والمجتمعات.
وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن مساهمة أوروبا وأمريكا الشمالية في النمو العالمي "ستظل أصغر من ثقلهما في الاقتصاد العالمي". وفي الولايات المتحدة، من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.7 في المائة هذا العام وستشهد منطقة اليورو انكماشا بنسبة 7.5 في المائة.
في ظل هذه الظروف، فإن انتعاش الصين المتميز وزخمها المستمر للنمو قدما للعالم بصيص أمل وساعدا في إشراق المشهد الاقتصادي العالمي القاتم.
على الرغم من تسجيله انكماشا بنسبة 6.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 3.2 في المائة في الربع الثاني وحافظ على نمو ثابت بنسبة 4.9 في المائة في الربع الثالث، ما يدل على انتعاش على شكل الحرف "V".
وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقريرها إنه "بدءا من أوائل الخريف، استؤنفت جميع الأنشطة تقريبا (في الصين) وتجاوزت مستويات ما قبل الجائحة بالقيم المعدلة موسميا. كما ارتفع الإنتاج الصناعي فيما يشهد استخدام القدرة تزايدا".
كما أشارت المنظمة إلى أن حالات الإصابة الجديدة بكوفيد-19 التي يتم تسجيلها بشكل متقطع في الصين لن تشكل خطرا كبيرا على اقتصادها بسبب "نظام التتبع والاختبار والعزل المثبت".
وقالت مارجيت مولنار، رئيسة مكتب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الصين "يبدو مرة أخرى أن الصين تقود الاقتصاد العالمي للخروج من الحضيض".
وذكرت مولنار أن "الصين ستبرز بنموها القوي عبر أفق توقعاتنا"، مضيفة بقولها "وهكذا، من المرجح أن تظل الصين مساهما في النمو العالمي بقدر أكبر مما كانت عليه في العامين السابقين للجائحة".
إن النمو الاقتصادي الصيني وسط الجائحة يقود العالم، وقد رفع كبار المسؤولين الماليين العالميين توقعاتهم للاقتصاد الصيني من تصنيف "مستقر" في الربع الثالث إلى "تحسن متواضع" في الربع الأخير من العام، وفقا لاستطلاع للرأي أجراه مجلس كبار المسؤولين الماليين العالميين التابع لـ((سي إن بي سي)).
وقال خوليو ريوس، مدير مرصد السياسة الصينية بإسبانيا، إن توقعات مماثلة من منظمات أخرى مثل معهد أبحاث بنك الصين وصندوق النقد الدولي سلطت الضوء على حقيقة أن الصين عملت بمثابة محرك رئيسي للاقتصاد العالمي وسط الجائحة.
-- فرص مشتركة
تمسكا برؤية المنافع المشتركة، قررت الصين تسريع نمط جديد للتنمية يتمثل في "التداول المزدوج"، والذي من المتوقع أن يمكّن ثاني أكبر اقتصاد في العالم من تقاسم المزيد من فرص التنمية مع العالم.
إن النمط الجديد، الذي يمكن فيه للأسواق المحلية والأجنبية أن تعزز بعضها البعض مع اتخاذ السوق المحلية دعامة أساسية، لا يعني تداولا مغلقا، وإنما يمثل استمرارا لجهود الانفتاح الصينية.
ولأن نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي يتخطى 10 آلاف دولار أمريكي ويتجاوز عدد سكانها ذوي الدخل المتوسط 400 مليون نسمة، تتمتع الصين بسوق محلية ضخمة مع شهية متزايدة لمجموعة أكبر من المنتجات والتكنولوجيات والخدمات عالية الجودة من جميع أنحاء العالم.
ومع تضاؤل الطلب العالمي وسط الجائحة، فإن إطلاق العنان المستمر لإمكانات السوق الصينية سيوفر بالتأكيد أكثر إمكانيات الأعمال المطلوبة وسيضيف زخما أقوى للنمو المستقر للاقتصاد العالمي.
وقالت مولنار إن "الصين أول دولة تتعافى بشكل كامل"، مشيرة إلى أن "هذا له أهمية كبيرة للغاية بالنسبة للعالم لأنه يعني تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهذا يعني مصدرا ضخما للطلب بالنسبة لجميع البلدان الأخرى".
وذكر كوه كينج كي، رئيس المؤسسة البحثية الماليزية (مركز من أجل آسيا شاملة جديدة)، إنه "في حقبة ما بعد الجائحة، ستستمر الصين في لعب دور قاطرة النمو العالمي".
وقال إن "السوق الضخمة والطلب المحلي في الصين يشبهان أداة دفع ضخمة لتحقيق الانتعاش والتنمية للاقتصاد العالمي وإتاحة المزيد من الفرص للدول الأخرى والعالم".
إن النمط الجديد للتنمية سيحفز الصين أيضا على القيام بدور أكثر نشاطا في التقسيم الدولي للعمل، والاندماج بشكل أكثر إحكاما في سلاسل الصناعة والتوريد والقيمة العالمية.
على الرغم من العقبات الناجمة عن الجائحة، بلغ إجمالي التجارة الخارجية للسلع في الصين 29.04 تريليون يوان (حوالي 4.44 تريليون دولار أمريكي) في الأشهر الـ11 الأولى، بزيادة 1.8 في المائة على أساس سنوي، وفقا للأرقام الرسمية.
-- التزام بالانفتاح
من خلال كشفها عن مقترحات لخطة تنمية مستقرة ومتسقة مع تعهد بتحقيق مزيد من الانفتاح، قامت الصين بضخ شعور باليقين في عالم مضطرب وأعادت إحياء الأمل العالمي في نمو مستقر طويل الأجل.
في السنوات الخمس المقبلة وما بعدها، ستعزز الصين مستوى الانفتاح، وتدفع تحرير التجارة والاستثمار وتسهيلهما، وتقوي القدرة التنافسية الشاملة للتجارة الخارجية.
ومع اتخاذها لخطوات جديدة في الإصلاح والانفتاح، ستواصل الصين تحسين اقتصاد السوق الاشتراكي لديها وستكمل بشكل أساسي بناء نظام سوق عالي المستوى، وتشكل مؤسسات جديدة لاقتصاد مفتوح على مستوى أعلى.
وتعد الخطة الجديدة أحدث دليل على تفاني الصين في بناء اقتصاد مفتوح على مر السنين.
فمن قانون الاستثمار الأجنبي وصولا إلى قائمة سلبية مختصرة للاستثمار الأجنبي، ومن المزيد من البرامج التجريبية الرامية إلى تعزيز تجارة الخدمات وصولا إلى سهولة الوصول إلى الأسواق المالية بشكل مطرد، لم تتوقف مطلقا خطوات الصين عن السعي إلى الانفتاح بسبب تصاعد الحمائية والأحادية وسط الجائحة.
وأشاد أنطون موسكالينكوف، مدير مكتب العلاقات الدولية بالوكالة الروسية للمبادرات الإستراتيجية، بالإنجازات التي حققتها الصين في تحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وقال إن السوق الصينية المفتوحة، مع "تنامي طلب المستهلكين، وظهور مجالات استهلاك جديدة، والتنويع السريع للمنتجات"، أمر جذاب للغاية بالنسبة لكل رائد أعمال.
وللوفاء بالتزامها بالانفتاح، أطلقت الصين منصات مثل مبادرة الحزام والطريق ومعرض الصين الدولي للواردات والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
فعلى سبيل المثال، نما معرض الصين الدولي للواردات، الذي عُقدت دورته الثالثة في الفترة من 5 إلى 10 نوفمبر، ليصبح منصة رئيسية للمشتريات الدولية، وترويج الاستثمار، والتبادلات الثقافية، والتعاون المفتوح.
وقال كوه "بالنسبة لحقبة ما بعد الجائحة، أكدت الصين مجددا التزامها بإصلاح وانفتاح أعمق وأوسع، بالإضافة إلى نظام التجارة الحرة والتعددية".
وأضاف الخبير أن التزام الصين بتقاسم سوقها وتزويد العالم بمنتجات عالية الجودة سوف "يدفع التكامل الاقتصادي قدما" و"يعود بمنافع متبادلة على الصين والعالم".