تعليق: اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة تنشط التعاون في آسيا والمحيط الهادئ وتساعد التعافي العالمي بعد الوباء
بعد ثماني سنوات من الشروع بها، تم التوقيع رسميا يوم الأحد على اتفاقية تجارة حرة ضخمة تضم 15 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي خطوة ملهمة وتأتي في الوقت المناسب لن تخلق فقط قوة دفع جديدة للتعاون الإقليمي، بل ستساعد على التعافي الاقتصادي العالمي بعد الوباء.
ووقعت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، المكونة من 10 أعضاء، وشركائها الخمسة في التجارة الحرة -- وهم الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا -- على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة على التوالي عبر رابط الفيديو، وتعهدوا بتخفيض الحواجز التجارية وتعزيز العلاقات داخل المنطقة.
وجاءت الاتفاقية البارزة، وهي أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم، في لحظة حرجة مليئة بالشكوك. ويشهد العالم تصاعدا في الحمائية والأحادية، في حين يشكل التنمر التجاري والاقتصادي من بعض البلدان تهديدا خطيرا للتعاون الدولي وكذلك للحملة العالمية لبناء اقتصاد عالمي مفتوح.
والأسوأ من ذلك، أن الاقتصاد العالمي، بسبب وباء كوفيد-19، يكافح من أجل تجاوز ما قد يكون أكبر ركود منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي. وفي الشهر الماضي، توقع صندوق النقد الدولي انخفاضا حادا بنسبة 4.4 في المائة في النمو العالمي لعام 2020، وحذر من أن "الخروج من هذه الكارثة من المرجح أن يكون طويلا وغير متكافئ وغير مؤكد بدرجة كبيرة".
وفي ظل هذه الظروف المتقلبة، يعد إبرام اتفاقية التجارة الضخمة بمثابة إعادة تأكيد للدعم القوي من قبل الدول الـ15 الموقعة والتزامها بتعددية الأطراف والتجارة الحرة.
ومنذ بدء المفاوضات في عام 2012، قام أعضاء الاتفاقية بتكثيف الجهود لبناء توافق في الآراء وجسر الفجوة بين الخلافات، في محاولة لإقامة شراكة اقتصادية وتجارية شاملة وعالية الجودة ومفيدة للجميع بين الاقتصادات السريعة النمو في المنطقة. وحتى التفشي المفاجئ لفيروس كورونا الجديد لم يوقف المسار.
ولطالما لعبت الصين دورا نشطا وهاما في عملية التفاوض، وهي على استعداد لمواصلة العمل مع جميع الأطراف لتنفيذ الاتفاقية التجارية من أجل زيادة إطلاق العنان للإمكانات في سوق آسيوي أكثر تكاملا وإفادة الصناعات المحلية والسكان بشكل أفضل.
ووفقا للاتفاقية التجارية، ستقوم الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بالتخلص التدريجي من 90 في المائة من التعريفات الجمركية على الواردات بين الموقعين، ووضع قواعد مشتركة للتجارة الإلكترونية والتجارة والملكية الفكرية، مما سيعزز الاستثمار إلى حد كبير، ويزيد من تكامل سلاسل الصناعة والتوريد، ويوفر حماية أفضل للمستثمرين ويسهل حركة البضائع والأموال والأشخاص في جميع أنحاء المنطقة.
وتعد الاتفاقية أيضا دليلا قويا على الاستعداد الجماعي للدول الخمس عشرة لرفض الحمائية التجارية وتعزيز التعاون متعدد الأطراف وتقوية علاقاتها التجارية الوثيقة بالفعل وتسريع التكامل الاقتصادي والتنمية الإقليميين.
إن حسم دول الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة يوفر بصيص أمل وسط شتاء مؤلم للاقتصاد العالمي. وبفضل الجهود المشتركة، تمكنت إلى حد كبير من السيطرة على الوباء، وهي في طريقها إلى التعافي من خلال الاستئناف المنظم للعمل والإنتاج.
وفي الوقت نفسه، تبذل الصين، وهي داعم قوي للتجارة والاقتصاد الإقليميين، كل ما في وسعها للتخفيف من تأثير وباء فيروس كورونا الجديد على اقتصادات المنطقة. وفي الأشهر العشرة الأولى، بلغت تجارة الصين مع شركاء الآسيان 3.79 تريليون يوان (574 مليار دولار أمريكي)، بزيادة 7 في المائة على أساس سنوي. وكما توقعت بعض الوكالات الدولية، من المتوقع أن تكون شرق آسيا هي المنطقة الوحيدة التي تسجل نموا إيجابيا في عام 2020.
وبينما تسعى بكين إلى تعزيز التنمية عالية الجودة في الصين، فإنها مصممة أيضا على زيادة فتح أسواقها أمام العالم، واقتسام فرصها التنموية مع بقية العالم. وقد جددت الأحداث غير المتصلة بالإنترنت، مثل معرض الواردات الدولي والمعرض الدولي للتجارة في الخدمات، التي أقامتها الصين ثقة المستثمرين في انتعاش الاقتصاد الصيني وإخلاص البلاد في الوفاء بوعود الانفتاح.
ويمثل وصول الاتفاقية في الوقت المناسب الآن نقطة انطلاق جديدة لتعميق التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويتعين على جميع الموقعين الاستفادة من الزخم المتجدد وتوسيع نطاق تعاونهم العملي في مختلف المجالات. وبينما يخفف العالم من تأثير الوباء، فإن وجود النسخة الأكثر انفتاحا وتطورا من منطقة آسيا والمحيط الهادئ سيساعد بشكل كبير الاقتصاد العالمي الراكد على الخروج من المأزق.