مقالة خاصة: التعاون الزراعي بين الصين والدول العربية يمضي بخطى ثابتة رغم الجائحة

التاريخ: 2020-08-19 المصدر: شبكة شينخوا
fontLarger fontSmaller

تعد الزراعة أحد مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري الهامة بين الصين والدول العربية، ولم يتوقف الجانبان عن دفع البناء المشترك للحزام والطريق والتعاون في شتي المجالات رغم تفشى فيروس كورونا الجديد منذ أوائل هذا العام، حيث مضت التبادلات الاقتصادية والتجارية بينهما إلى الأمام بشكل مطرد وحققت تقدما كبيرا وتتمتع بآفاق مستقبلية رحبة.

خلال السنوات الأخيرة، استخدم الجانبان منصات مثل منتدى التعاون الصيني العربي، والمعرض الصيني-العربي، والبناء المشترك للحزام والطريق لتعزيز التبادلات التجارية الزراعية بوتيرة مستمرة وتعميق التعاون في مجال التكنولوجيا الزراعية، وهو ما ساهم كثيرا في اعطاء زخم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وفي الواقع، تحظى منتجات زراعية عربية مميزة مثل البرتقال المصري الطازج ومنتجات الورد السوري وزيت الزيتون التونسي والتمور السعودية، بقبول واسع لدى المستهلكين الصينيين. وفي الوقت نفسه، لاقى الشاي والأرز والعسل ومنتجات زراعية صينية أخرى استحسانا كبيرا في الدول العربية. وبحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، فقد زادت واردات الصين من المنتجات الزراعية من الشرق الأوسط في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 12.9 في المائة، وشكل حجم تجارة المنتجات الزراعية من الدول العربية نسبة متزايدة.

-- تطلع كبير للاستفادة من السوق الواسعة

في فصل الصيف، تقف أشجار البرتقال في البساتين الواقعة على ضفاف نهر النيل بمصر حاملة على فروعها ثمار البرتقال وهي تلمع تحت أشعة الشمس، فيما ينهمك المزارعون في قطف الثمار. وتشير الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن إدارة الحجر الزراعي المصرية إلى أنه قد تم تصدير حوالي 100 ألف طن من البرتقال الطازج إلى الصين هذا العام ليصبح هذا المنتج أحد أهم الصادرات الزراعية المصرية.

وقد قال محمود عثمان، رئيس شركة (سلسلة الفاكهة) للفواكه الطازجة بمصر، إن "السوق الصينية الهائلة تجلب لنا فرصا. وفي السنوات الأخيرة، تضاعف حجم صادراتنا من البرتقال إلى الصين، ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم". وبعد دخوله السوق الصينية في عام 2015، صار البرتقال المصري مفضلا على موائد المستهلكين الصينيين. فعن طريق النقل المبرد عبر البحر، يمكن شحن البرتقال الحلو وبرتقال العصير من مصر إلى الصين في غضون 22 يوما فقط.

أما المغاربة فهم يحبون الشاي الأخضر بالنعناع، ومن أهم الأنواع المستخدمة في إعداده الشاي الأخضر المستورد من الصين. والمغرب هو أكبر مستورد للشاي الصيني، حيث يمثل حوالي خمس إجمالي صادرات الشاي الصينية. وجذب سوق استهلاك الشاي الضخم أيضا بعض الشركات الصينية للاستثمار في المغرب وذلك بإنشاء مصانع وتطوير علامات تجارية خاصة بها وفي نفس الوقت خلق فرص عمل للأهالي هناك. وقال السفير المغربي لدى الصين عزيز مكوار إن "الشاي من السلع الأساسية المتداولة بين المغرب والصين، وهو يرمز إلى العلاقة القوية بين البلدين".

وأشار جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، إلى أن "المنتجات الزراعية الفريدة والمتميزة لكلا الجانبين تتمتع بدرجة معينة من التكامل في التبادل التجاري والاقتصادي الزراعي، وعلى وجه الخصوص توفر السوق الصينية مساحة واسعة للصادرات الزراعية العربية لكسب النقد الأجنبي، كما يمكننا الاعتماد على الصين لمواصلة استكشاف أسواق الدول الآسيوية الأخرى، ومواصلة تحسين القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية العربية في جميع أنحاء العالم".

-- اهتمام كبير بالتكنولوجيا الزراعية الصينية

على حافة الصحراء الكبرى في موريتانيا، تُلفت المنطقة الخضراء الشاسعة الأنظار بشكل خاص مقارنة بالأرض المقفرة المحيطة بها، وعليها تسير الأبقار وتأكل العشب بكل روية. فقد زُرعت هذه البقعة الخضراء بمحاصيل علفية طورها المركز النموذجي الموريتاني لتكنولوجيا الثروة الحيوانية بمساعدة الصين. وكانت، قبل بضع سنوات فقط، أرضا قاحلة.

تغطي الصحراء 82 في المائة من مساحة موريتانيا. وخلال موسم الجفاف الطويل، لا تستطيع المراعي المتصحرة تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية للأبقار والأغنام والإبل وغيرها من المواشي. ومنذ عام 2017، توجه خبراء صينيون متخصصون في التكنولوجيا الزراعية إلى موريتانيا حيث استكشفوا مجموعة من اللوائح الفنية للتحكم في المياه والأسمدة وإدارة الحقول في ظل ظروف التربة المتصحرة في المنطقة الحارة، واستطاعوا زراعة محاصيل علفية على نطاق واسع مثل البرسيم والحشائش الطويلة في الصحراء الكبرى. واليوم، تم تعزيز هذا الإنجاز وتطبيقه في العديد من المزارع في موريتانيا.

وفي نهاية العام الماضي، أصدر الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني أمرا خاصا بمنح خبير المركز النموذجي رن شيويه شان شهادة تقدير وكذا "وسام المساهمة الوطنية". ويزور المزيد والمزيد من المزارعين ورعاة الماشية وأصحاب الأعمال المحليين المركز ويتعلمون الكثير. ولهذا السبب، حدد المركز النموذجي عطلة نهاية الأسبوع يوما مفتوحا لتقديم شروح للأسئلة التي تدور في أذهان زائري المركز.

في السنوات الأخيرة، دخلت المزيد والمزيد من التقنيات الزراعية الصينية الحديثة إلى البلدان العربية ليسهم ذلك في تعزيز التنمية الزراعية المحلية، ومنها على سبيل المثال الترويج لتكنولوجيا نقل أجنة الأبقار الحلوب في موريتانيا، وإجراء تجارب وعروض إيضاحية لبذور الخضراوات في وادي نهر الأردن، وزراعة "الأرز بمياه البحر" في صحراء دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعزيز تقنيات الري الذكي وتوفير المياه في مصر وسلطنة عمان ...وتتوافق العديد من التقنيات الصينية في مجال الزراعة الموفرة للمياه، والتربية الحيوانية الحديثة، ومكافحة التصحر توافقا كبيرا مع احتياجات الدول العربية. وبناء على الممارسات المحلية، لخص الخبراء الصينيون الأساليب العملية والفعالة، وعقدوا دورات تدريبية متنوعة في مجال التكنولوجيا الزراعية لتنمية الكفاءات المحلية.

"يتمتع الخبراء الصينيون بخبرة كبيرة في مكافحة الأمراض والآفات الحشرية وإزالة الأعشاب الضارة، وهم أفضل من التقنيات التي استخدمناها في الماضي. ووفقا للأساليب التي يقوم الخبراء الصينيون على تدريسها، اختفت الأمراض والآفات التي تصيب البطاطس بشكل أساسي. لقد استفدنا كثيرا من تعميق التعاون التكنولوجي الزراعي"، هكذا قال خالد سليمان رئيس شركة خالد الأردنية.

ومن جانبه، ذكر محمد بنيس رئيس جمعية التعاون المغربي الصيني أن تكنولوجيا الآلات الزراعية في الصين متقدمة نسبيا. ولدى المغرب والصين العديد من الفرص للتعاون في تحسين التربة، وتقنيات توفير المياه، وإدخال أصناف من المحاصيل، والزراعة العضوية، وتجارة الآلات الزراعية الصغيرة. "لدينا حماس وتطلعات كبيرة للتعاون الثنائي في مجال التكنولوجيا الزراعية.

-- دفع حثيث لجني مزيد من ثمار التعاون

"لقد تم تنفيذ إنجازاتنا التكنولوجية في مناطق جافة نموذجية مثل سلطنة عمان والإمارات ومصر والكويت، وتم إجراء تطبيقات واسعة النطاق. وبالإضافة إلى ذلك، تلقينا دعوات زيارة من العديد من الدول العربية"، حسبما قال سون تشاو جون رئيس معهد الموارد البيئية بجامعة نينغشيا. وفي السنوات الخمس الماضية، سافر سون وفريقه إلى الدول العربية أكثر من 20 مرة، وسار في الحقول هناك، وروج لتكنولوجيا الري التكميلية الموفرة للمياه باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتي قامت الصين بتطويرها، ما حقق فوائد اقتصادية واجتماعية جيدة.

وفي السنوات الأخيرة، تعمق التعاون التكنولوجي الزراعي الصيني العربي بشكل مستمر. وتم إنشاء عدد من مؤسسات التعاون الصيني-العربي متعدد الأطراف مثل المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا والمركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا الزراعية؛ وتم إنشاء 8 مراكز ثنائية لنقل التكنولوجيا مع جامعة الدول العربية والمملكة العربية السعودية والأردن وسلطنة عمان ومصر وغيرها الواحدة تلو الأخرى؛ وتم بسلاسة تنفيذ مشروعات تعاون في قطاع العلوم والتكنولوجيا الزراعية تشمل مجال إنترنت الأشياء الزراعي، والتحكم الذكي الأخضر، وتوفير المياه.

وقد أنشأ المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا الزراعية، الذي تأسس في نينغشيا عام 2015، مراكز فرعية خارجية له في الأردن وموريتانيا ودول أخرى لتعزيز التبادلات والتعاون في الإدارة والتكنولوجيا الزراعية. وفي فرعه الخارجي بالأردن، دخلت بذور خضراوات نينغشيا 12 دولة ومنطقة في الشرق الأوسط وإفريقيا، من خلال عرض تجارب زراعة هذه البذور والترويج لها.

وفي السودان، وبفضل مساعدة التكنولوجيا الصينية، تم الترويج لاثنين من أصناف القطن الصيني وزراعتهما علاوة على تطبيق تقنيات زراعة القطن المتقدمة على نطاق واسع، ليقفز محصول القطن لكل مو هناك من ما بين 50 و70 كجم إلى ما بين 200 و300 كجم، ما جعل المزارعين في السودان يتذوقون حلاوة الحصاد الوفير. وفي المرحلة الأولى من تنفيذ مصر لمشروع "المليون ونصف المليون فدان" (1 فدان يساوي 4200 متر مربع)، ساعدت المواد والتكنولوجيا الصينية مصر في بناء 7100 صوبة زراعية في مدينة العاشر من رمضان وتحقيق الري الآلي. كما حسنت كفاءة استخدام المياه والأسمدة، ووفرت ما لا يقل عن 75 ألف فرصة عمل محلية.

وقال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة السابق بدولة الإمارات العربية المتحدة، إنه بفضل الجهود المشتركة للجانبين، حقق توقيع مذكرة تعاون وإنشاء آلية للجنة الزراعية المشتركة نتائج ملحوظة في التعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا الزراعية والاستثمار والتجارة، مشيرا إلى أن "التعاون الزراعي بين الدول العربية والصين يذخر بإمكانات هائلة. ونحن على استعداد للعمل مع الصين لدفع التعاون الزراعي الثنائي لتحقيق المزيد من النتائج".

كما ذكر سون تشاو جون إن الجانبين الصيني والعربي يتمتعان بمزايا تكاملية وإن تجربة التنمية الزراعية الصينية حظيت بالاعتراف في البلدان العربية. ومع التقدم المستمر في البناء المشترك للحزام والطريق، ستتوجه المزيد من الشركات والتقنيات الزراعية الصينية إلى المنطقة العربية ليحقق الجانبان معا تعاونا يقوم على المنفعة المتبادلة والفوز المشترك.

تحرير: تشي هونغ