مقالة خاصة: مع انطلاق باكورة الرحلات المباشرة بين الصين والمغرب...روح ابن بطوطة تعزز جسور التعاون الثنائي على طريق الحرير
برزت نقطة مضيئة جديدة في العلاقات الصينية-المغربية مع بدء شركة الخطوط الملكية المغربية في الـ16 من يناير الجاري في تسيير رحلة مباشرة مدتها حوالي 13 ساعة من مطار محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء إلى مطار داشينغ الدولي في بكين. وتفيد التقارير بأن هذه هي المرة الأولى التي تفتح فيها المملكة المغربية رحلات مباشرة إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وقد أشار حميد عدو الرئيس المدير العام للخطوط الملكية المغربية في تصريح صحفي إلى أن "الخط الجديد من شأنه أن يلبي الطلب القوي من جانب الاقتصاديين في البلدين، وبالتالي سيسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب وثاني أكبر اقتصاد في العالم".
كما صرح مراد العياشي نائب سفير المغرب في الصين، خلال مؤتمر صحفي عقد في ديسمبر الماضي لإعلان إطلاق الخط الجديد، إن "الصين والمملكة المغربية تربطهما صداقة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، فالرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة قام برحلة إلى الصين في القرن الـ14... والآن يزداد التعاون بين البلدين في إطار مبادرة الحزام والطريق واحتفل البلدان في عام 2018 بمضي 60 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وفي عام 2020 سيقام عام السياحة والثقافة بين البلدين"، معربا عن ثقته بأن افتتاح رحلات جوية مباشرة بين بكين والدار البيضاء سيثري العلاقات الثنائية في العديد من الجوانب.
-- العلاقات: عريقة وطيدة
تتمتع الصين والمغرب بعلاقات متميزة، فقد تأسست العلاقات الدبلوماسية رسميا بين البلدين في عام 1958 ليصبح المغرب ثاني بلد عربي وأفريقي يقيم علاقات دبلوماسية مع الصين. وشهدت العلاقات الثنائية، خلال السنوات الأخيرة، تطورا متسارعا وخاصة منذ الزيارة التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الصين عام 2016، والتي وقع خلالها الرئيس الصيني شي جين بينغ والملك محمد السادس على بيان مشترك حول إقامة شراكة إستراتيجية بين البلدين، شكلت معلما مهما في تنمية العلاقات الثنائية وتوفير فرص جديدة أمام التعاون المشترك في شتي المجالات.
وساهمت الجهود الدؤوبة التي تبذلها حكومتي البلدين الصديقين في تعزيز التبادلات الشعبية والعلاقات السياحية بينهما، وفي تحقيق طفرة كبيرة في العلاقات الثقافية الثنائية توجت بتوقيع برنامج لتنفيذ اتفاقية التعاون الثقافي بين البلدين 2016-2020، واتخاذ خطوات تدعم تطوير هذه العلاقات مثل إنشاء معاهد كونفوشيوس، وإرسال بعثات للتعليم المتبادل للغتين الصينية والعربية وذلك في ضوء ما يذخر به البلدان من تراث حضاري قديم يشكل عنصر جذب للجانبين.
-- الثقافة: إشراقة واعدة
فمنذ عام 2009 تم افتتاح ثلاثة من معاهد كونفوشيوس وذلك في كل من الرباط والدار البيضاء وطنجة ليصبح بذلك المغرب أول بلد عربي يتأسس به هذا العدد من معاهد كونفوشيوس ولتلعب هذه المعاهد دورا محوريا في تشجيع الطلبة المغاربة على الإلمام باللغة الصينية والثقافة الصينية وتقوية علاقات التعاون الثقافي والعلمي بين البلدين.
علاوة على ذلك، فإن معاهد كونفوشيوس لا تعد فقط مدرسة لتعليم اللغة والتعريف بالثقافة التقليدية الصينية، وإنما باتت أيضا مركز تدريب معتمد لأغراض التأهيل المهني للمرشدين السياحيين المغاربة ليصبحوا جسرا يربط بين الجانبين ويعزز تنمية حركة السياحة بينهما.
ومع استمرار هبوب نسمات دراسة اللغة الصينية في المغرب، بدأ في الآونة الأخيرة تسجيل إقبال لافت للطلبة المغاربة على تعلم الصينية، وهو ما دفع إلى بذل جهود مشتركة لدراسة سبل دعم تعلمها بالمملكة. فعلى سبيل المثال، وقع معهد كونفوشيوس بطنجة في ديسمبر 2019 اتفاقية شراكة مع مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية من أجل التربية والبيئة، تهدف إلى تعليم اللغة الصينية بإحدى المؤسسات التعليمية الابتدائية بالمدينة، وهو ما يبرز مدى اهتمام البلدين بهذا الجانب.
وجاء ذلك كخطوة ضمن خطوات عدة هدفت إلى تطوير العلاقات الثقافية الثنائية ومنها افتتاح المركز الثقافي الصيني بالعاصمة المغربية الرباط في ديسمبر 2018، والذي تم بناؤه في إطار مبادرة الحزام والطريق، ويحتضن مجموعة من الأحداث التي تعرف المغاربة بالثقافة الصينية، وتعزز جسور المعرفة بين شعبي البلدين.
-- الحزام والطريق: بناء مشترك
فمع طرح الصين مبادرة "الحزام والطريق"، تتزايد يوما بعد يوم أعداد الصينيين الذين يسافرون إلى الدول المشاركة في المبادرة، وهو ما يكثف التبادلات بينها وبين الصين ويعمق التفاهم المتبادل. وفي هذا الإطار، يمضي شغف الشباب العربي ومن بينه الشباب المغربي لتعلم اللغة الصينية وفق منحى تصاعدي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصين والمغرب وقعتا في عام 2017 مذكرة تفاهم بشأن مبادرة "الحزام والطريق"، ما وفر دعما هاما للبلدين لمواصلة ودفع التعاون في مختلف المجالات في إطار المبادرة وأعطى قيمة مضافة وقوة دافعة جيدة للعلاقات الثنائية، لاسيما أن المغرب يتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي في ملتقى القارتين الإفريقية والأوروبية ويتميز بديناميته وانفتاحه الاقتصاديين.
فـ"المغرب شريك طبيعي في مبادرة الحزام والطريق"، هكذا أكد سفير الصين لدي المغرب لي لي. وفي الوقت الحالي، يعمل البلدان على ربط مبادرة "الحزام والطريق" مع أهداف الإستراتيجية التنموية للمغرب، وهو ما سيمكن من فتح آفاق واسعة أمام تعزيز التعاون الثنائي في تطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمارات، وتوفير الخدمات اللوجستية، وتطوير الطاقات المتجددة والنهوض بالقطاع السياحي بما يعود بالنفع على الشعبين المغربي والصيني.
-- السياحة: آفاق كبيرة
تضطلع حركة السياحة بين الصين والمغرب بدور مهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين البلدين. فقد سجلت الأرقام الرسمية ارتفاعا كبيرا في أعداد السائحين الصينيين إلى المغرب منذ قرار المملكة إلغاء التأشيرة بالنسبة للمواطنين الصينيين في يونيو عام 2016. وقد أكد السفير الصيني لي لي أن قرار المغرب هذا أدى إلى ارتفاع أعداد الزائرين الصينيين إليها من أقل من 20 ألف سائح خلال عام 2016 إلى 180 ألف سائح عام 2018.
وعلى وجه الخصوص، سجلت العديد من المدن المغربية مثل الدار البيضاء ومراكش وشفشاون في العامين الماضيين إقبالا كبيرا من جانب السائحين الصينيين في فترة عيد الربيع الصيني التقليدي، حيث اختاروها كمقاصد للاستمتاع بعطلتهم في ضوء ما يمتاز به المغرب، الذي برز في رواية "قصص في الصحراء" للأديبة الصينية الشهيرة سان ماو، من طبيعة خلابة فيها التناغم والتمازج بين جمال الحاضر وروعة الماضي، وهو ما يجذب السائحين الصينيين.
ومن المتوقع أن تزداد حركة السياحة بين البلدين في ظل الانطباعات العميقة التي تركتها الزيارات السياحية إلى المغرب في نفوس السائحين الصينيين في السنوات الأخيرة، حيث قالت السائحة الصينية وانغ المنحدرة من مقاطعة جيانغسو الصينية إنها زارت المغرب صيف 2018 برفقة أربعة من الأصدقاء واكتشفت خلال رحلتها هذه ثقافة ونمط عيش مختلفين مع تنقلها لزيارة المعالم السياحية الشهيرة في شمال المغرب وجنوبه، مبدية إعجابها بهذا التنوع.
وطرحت شجرة التعاون تمازجا بين الثقافات، إذ تزينت أزقة مدينة شفشاون المغربية، التي توصف بـ"الجوهرة الزرقاء"، في فبراير 2019 بأكثر من 1500 فانوس أحمر صيني، احتفاء بعيد الربيع وحلول العام الصيني الجديد، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها مدينة شفشاون مثل هذا الاحتفال بمناسبة عيد الربيع الصيني.
ولاشك أن فضاءات التعاون بين البلدين في المجال الثقافي والسياحي ستشهد طفرة كبيرة وآفاقا رحبة مع احتفال الدولتين هذا العام 2020 بـ"عام السياحة والثقافة الصيني-المغربي" حيث يولى البلدان اهتماما كبيرا بدور الثقافة في تعزيز الفهم المتبادل وتحقيق التقارب بين الشعوب، وكذا مع اقتراب حلول عيد الربيع الصيني الذي يبدأ في الـ25 من يناير الجاري ويزداد فيه سفر الصينيين إلى الخارج لقضاء العطلة.
تقف رحلة الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة إلى الصين، التي رسخت جذور التبادلات بين الصين والمغرب وشكلت حلقة وصل ربطت بين البلدين منذ القدم، تقف شاهدا على أن التواصل الثقافي يمثل دوما عنصرا هاما في العلاقات بين البلدين. وسيتواصل البناء على الإنجازات التي تحققت على مستوى التعاون الثنائي، لتطرح الشراكة الإستراتيجية بين الصين والمغرب مزيدا من الثمار التي تعود بالخير على شعبيهما الصديقين.