مقالة خاصة: حركة الترجمة ونشر الكتب بين الصين والعالم العربي...جسر للتواصل الثقافي والمعرفي
إن "الترجمة جسر مهم للتبادل الثقافي والتواصل الإنساني"، هكذا أكد المستشار الثقافي الصيني بالقاهرة شي يوه وين خلال حفل توزيع جوائز مسابقة (ترجمة الرواية الصينية المعاصرة لشباب المترجمين) الذي أقامه المركز الثقافي الصيني بالقاهرة في 28 نوفمبر الماضي.
فقد أطلقت الدورة الأولى من المسابقة قبل ستة أشهر، وقام على تنظيمها المركز الثقافي الصيني بالقاهرة والمركز القومي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع مجموعة النشر التابعة لجامعة بكين للمعلمين؛ ودارت حول ترجمة الرواية الصينية (اختفاء فتاة اسمها تشن جين فانغ)، إلى اللغة العربية؛ واستمرت في استلام الترجمات حتى 30 سبتمبر.
وفي الواقع، تعد هذه المسابقة صورة مصغرة لقفزات متسارعة في حركة الترجمة ونشر الكتب بين الصين والعالم العربي، والتي تشهد دفعة قوية في إطار مبادرة الحزام والطريق وتكتسب زخما كبيرا بفضل عوامل منها مشروعات الترجمة ومعارض الكتاب والمكتبة الرقمية الصينية العربية.
-- مشروعات الترجمة: نافذة على الروائع الأدبية
يمثل التعاون المتزايد بين الصين والدول العربية في ترجمة الكتب ونشرها بين اللغتين جسرا لتعزيز التواصل بين اثنتين من أعرق حضارات العالم، ويشهد هذا التعاون تسارعا وتوسعا بفضل مشروعات الترجمة المتنوعة مثل مشروع ترجمة الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية ومشروع طريق الحرير للكتب ومشروع مكتبة الصداقة الصينية العربية، حيث وقعت دور نشر صينية اتفاقيات للتعاون في النشر مع دول عربية عدة مثل مصر والإمارات ولبنان وتونس وغيرها في إطار هذه المشروعات.
فعلى سبيل المثال، أنجز مشروع ترجمة الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية، وهو أول مشروع للترجمة على مستوى الدولة بين الصين والدول العربية، أنجز أعمال ترجمة ونشر أكثر من 40 عملا كلاسيكيا. ووجدت ((الزهرات الذابلات الثلاث)) و((حلم القصور الحمراء)) و((رومانسية الممالك الثلاث)) وغيرها من الأعمال الكلاسيكية الصينية طريقها إلى القراء العرب. كما أدخلت الصين أعمالا أدبية عربية مثل ((واحة الغروب)) و((الطوق والإسورة)) إلى الصين.
وقد أشار لين فنغ مين، رئيس قسم اللغة العربية في جامعة بكين، إلى أن الدول العربية ترغب في التعرف على الصين، ولكن الكتب حول الصين في الأسواق العربية مازالت أقل من المأمول، أو تترجم من الإنجليزية أو من منظور الغرب، الأمر الذي لا يساعد القراء العرب في التعرف على الصين الحقيقية. ومن هنا، صارت مشروعات ترجمة مثل مشروع ترجمة الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية، بمثابة غيث ينهمر في قنوات ينهل منها كل قارئ عربي مهتم بالصين.
ومن ناحية أخرى، رأت تشانغ هونغ يي، مترجمة الرواية الكلاسيكية الصينية الطويلة ((الزهرات الذابلات الثلاث)) وأول محكم صيني في هيئة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية في عام 2019، إن الرواية العربية تقترب من الرواية الغربية، ولكنها تختلف عن الأدب الصيني. وإن الصينيين بدأوا يولون اهتماما كبيرا بالرواية العربية مع انفتاح الصين واتساع آفاق شعبها.
-- معارض الكتاب: منصة لدفع التعارف
في إطار مشروعات الترجمة، تقدم معارض متعددة للكتاب في الصين والدول العربية منصة لتعزيز التبادلات الثقافية وتحقيق التقارب بين قلوب الشعبين الصيني والعربي.
في 20 نوفمبر، افتتحت الدورة الـ44 من معرض الكويت الدولي للكتاب، والذي شاركت فيه ثلاث دور نشر صينية. وعرض المعرض مئات النسخ من قصص الأطفال المشهورة في الصين والمترجمة إلى اللغتين العربية والإنجليزية.
و"في السنة الماضية نفدت كل نسخ قصة ((الممالك الثلاث)) باللغتين الإنجليزية والعربية حيث فوجئنا بإقبال الكويتيين عليها، لذلك جلبنا كميات أكبر هذه السنة"، هكذا ذكرت شيه يانغ مديرة مكتب (دار إنتركونتيننتال الصينية للنشر) بالإمارات على هامش المعرض.
فضلا عن معرض الكويت الدولي للكتاب، ظهرت الكتب الصينية على الأرفف في معارض الكتاب بمصر وتونس والإمارات والجزائر وغيرها من الدول العربية في السنوات الأخيرة، حيث صارت هذه المعارض منصة مهمة لترويج الثقافة الصينية، كما تساعد دور النشر الصينية على معرفة اهتمامات القراءة المختلفة لدى القارئ العربي.
فعلى سبيل المثال، لاقت كتب الأطفال الصينية إقبالا في معارض مثل معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، الأمر الذي أثار انتباه دور النشر الصينية وحفزها على تطوير أعمال ترجمة ونشر كتب الأطفال في السوق العربية، فيما رأى تشو بين نائب رئيس مجلس إدارة شركة (جيانغسو فونيكس المحدودة للتعليم والنشر) أهمية التركيز على الكتب التي تهم المراهقين والشباب، قائلا إن "هناك أكثر من 400 مليون قارئ عربي، نصفهم ينتمون لهذه الفئة العمرية".
أما بالنسبة لدور النشر العربية، فهي متفائلة إزاء السوق الصينية. وتجسد هذا التفاؤل في مشاركة أعداد منها بحماسة في معرض بكين الدولي الـ26 للكتاب الذي أقيم في أغسطس من هذا العام، فضلا عن أعراب ممثلين من دور نشر من السعودية والإمارات وسلطنة عمان عن ثقتهم بأن سوق الكتب الصينية يتمتع إمكانيات ضخمة ومستقبل مشرق.
-- المكتبة الرقمية الصينية العربية: تعاون في عصر الإنترنت
في عصر الإنترنت، يمضي تشارك وتبادل الكتب بين الصين والدول العربية بوتيرة سريعة عبر وسيلة جديدة، ألا وهي المكتبة الرقمية الصينية العربية.
فقد تم إطلاق موقع بوابة المكتبة الرقمية الصينية العربية في يوليو 2018، ولها نسختان أحداهما باللغة الصينية والأخرى باللغة العربية لتوفر مصادر معلومات في مجالات الثقافة والحضارة العربية والصينية في شكلها الرقمي سواء كتب أو دوريات أو بيانات ببليوجرافية أو صور فوتوغرافية أو تسجيلات صوتية أو أفلام سمعبصرية.
وبعد أكثر من عام على تدشينها وتطويرها، تواصل المكتبة طرح ثمار في دعم التقارب الثقافي الصيني العربي. فحتى يوليو من هذا العام، تم على موقع النسخة الصينية الذي تديره مكتبة الصين الوطنية، تحميل مائة كتاب إلكتروني من مكتبة الصين الوطنية فضلا عن صور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية وأفلام سمعبصرية. أما على موقع النسخة العربية الذي تديره مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالمملكة العربية السعودية، فقد تم تحميل 108 كتب إلكترونية، تغطي مجالات الثقافة الصينية والعلاقات العربية-الصينية والأعمال الكلاسيكية الأدبية وغيرها من المجالات.
وقد أكد راو تشيوان مدير مكتبة الصين الوطنية إن المكتبة الرقمية الصينية العربية، باعتبارها منصة رقمية للتبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية، تعمل بمثابة جسر للتواصل الثقافي والمعرفي وتسهم في تعزيز التقارب بين قلوب الجانبين.