تحقيق إخباري: شركة صينية تساهم في تخفيف معاناة العراقيين المزمنة مع الكهرباء
في العراق، يأتي حاليا نحو 20 في المائة من إنتاج البلاد من الطاقة الكهربائية من محطة كهرباء عملاقة قامت بتشييدها شركة صينية لتساعد بشكل كبير في الحد من انقطاع الكهرباء وبالتالي التخفيف من معاناة الملايين في البلاد.
وعلى ضفاف نهر دجلة بمحافظة واسط العراقية، تباشر الآن محطة كهرباء واسط الحرارية عملها بعدما انتهت من إنشائها شركة شانغهاي للكهرباء لتبدأ في إنتاج 2540 (ميجاواط) بما يشكل 70 في المائة من حاجة العاصمة بغداد.
-- المعايير الصينية
بدأ العمل الفعلي في محطة كهرباء واسط الحرارية، الواقعة في بلدة الزبيدية بمحافظة واسط (180 كم) جنوب بغداد، من قبل شركة شانغهاي للكهرباء في الأول من مايو عام 2010 على مرحلتين، الأولى مدة تنفيذها 50 شهرا، والثانية 49 شهرا.
وينص الاتفاق بين الجانبين بشأن المرحلة الأولى من بناء هذه المحطة، التي تعد واحدة من أكبر محطات الكهرباء في العراق، على بناء أربع وحدات لتوليد الكهرباء طاقة كل واحدة منها 330 ميجاواطا، أما المرحلة الثانية فيتم خلالها بناء وحدتي توليد كهرباء طاقة كل واحدة منهما 610 مجياواطات.
وتبلغ مساحة الأرض التي أقيمت عليها المحطة (مليوني م2) وتقع على ضفاف نهر دجلة، كونها تحتاج إلى الماء لأغراض تبريد الوحدات الإنتاجية، التي تعمل بالنفط الخام والغاز الطبيعي والوقود الثقيل وزيت الغاز، التي تتزود به من حقلي الأحدب وبدرة عن طريق شبكة أنابيب مختصة.
ومن جانبه، قال خه تشوانغ مدير فرع شركة شانغهاي للكهرباء بمشروع محطة واسط الحرارية لوكالة أنباء ((شينخوا))، بعد جولة في وحدات المحطة وجهازها للتحكم المركزي، إنه قد "تم الاتفاق على إنشاء هذه المحطة عام 2003، لكن الأمور توقفت بسبب الحرب، وبعد عام 2007 استؤنفت المحادثات، وفي عام 2009 بدأت الشركة بالدخول لموقع العمل".
وأضاف خه، الذي يرأس 350 مهندسا وفنيا وموظفا صينيا، أن هذه المحطة ساهمت بعد بدء الإنتاج الفعلي في تقليل ساعات انقطاع التيار الكهربائي في العراق فضلا عن زيادة قوة التيار الكهربائي، ووفرت 70 في المائة من حاجة العاصمة بغداد من الكهرباء، وعند تشغيلها بالحمل الأقصى وفرت نحو 30 في المائة من إنتاج الكهرباء في العراق.
أما عن معالجة التلوث الناتج عن المحطة، فقد أكد خه أن المحطة تعمل ضمن المواصفات العالمية، مشيرا إلى أن الدخان الخارج من وحدات الإنتاج أبيض اللون ولا يشكل خطرا على البيئة بالعراق. وقال "لدينا تكنولوجيا وإمكانيات قادرة على تقليل نسبة الفسفور الناتج عن استخدام الوقود، لكن هذا يعتمد على الجانب العراقي فإذا خصص الأموال وطلب استخدام التكنولوجيا فإننا على استعداد لتزويده بها".
ومن جانبه، قال رئيس المهندسين الأقدم علي أحمد مدير محطة واسط الحرارية لـ((شينخوا)) إن "الإنتاج الحالي للمحطة يشكل ما بين 18 إلى 20 في المائة من إنتاج الكهرباء في العراق، علما بأنه في وقت إنشاء المحطة وتشغيلها بالحمل الأقصى كانت تشكل من 25 إلى 30 في المائة من إنتاج العراق".
وأكد أن المحطة "تعتبر قيمة مضافة وهائلة جدا للشبكة الوطنية نتيجة الحاجة الماسة المستمرة وزيادة الطلب المستمر على الطاقة الكهربائية"، مضيفا أن "إنتاج هذه المحطة عزز المنظومة الكهربائية في العراق بالطاقة".
-- التدريب والخبرة
ساهمت شركة شانغهاي للكهرباء في إعداد كوادر عراقية متخصصة في مجال الكهرباء بعد تلقيهم التدريب واكتسابهم خبرات متطورة على أيدي الشركة، بحيث أصبح الكادر العراقي حاليا هو الذي يدير المحطة.
وفي هذا الصدد، قال علي أحمد مدير محطة واسط الحرارية إن العقد المبرم بين الشركة الصينية ووزارة الكهرباء العراقية يتضمن تدريب كادر هندسي عراقي يتكون من 150 مهندسا لغرض إعدادهم لاستلام مهام التشغيل والصيانة.
وأوضح أن برنامج التدريب يتألف من عدة مراحل، الأولى التعرف على الوحدات الإنتاجية وتدريب موقعي على هذه الوحدات، ومن ثم التدريب في الصين لمدة شهر على منظومات مشابهة للوحدات الموجودة بالمحطة، والمرحلة اللاحقة تدريب موقعي مكثف، ومن ثم التدريب على المنظومة في المحطة التي تم تجهيزها من قبل الشركة الصينية.
وتابع قائلا إن "جميع هذه المراحل تتخللها اختبارات بين مرحلة وأخرى لغرض العبور من المرحلة الأولى إلى الثانية، وإعدادهم للمشاركة في تشغيل الوحدات مع الجانب الصيني وتحت إشرافه في المرحلة الأولى".
ولفت المهندس جاسم محمد، الذي تلقى جميع التدريبات التي وفرتها الشركة الصينية، إلى أن "المحطة متطورة جدا، وأن شركة شانغهاي للكهرباء وفرت لنا تدريبات موقعية داخل العراق، وبعدها تلقينا تدريبات في الصين لمدة شهر وزودونا بمعلومات مهمة جدا ساهمت في تطوير قدرتنا على العمل".
وأضاف أنه "بعد ثلاث سنوات من التدريب الميداني اكتسبت خبرة جيدة، وحاليا أمارس عملي كمهندس تشغيل، وأشعر بالفخر كوني أعمل بهذه المحطة التي تنتج كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية للشعب العراقي، الذي استفاد كثيرا من تشغيل هذه المحطة".
ووصف محمد تعامل الخبراء الصينيين معهم بأنه تعامل حسن وودود ومحترم، مضيفا أنهم لا يترددون في إعطاء أية معلومة يحتاجها المتدرب. كما سلط الضوء على الفائدة الكبيرة التي خرج بها خلال فترة عمله مع الشركة الصينية ولقائه الخبراء والعاملين الصينيين في مجال الكهرباء.
-- الصديق وقت الضيق
وأعرب المسؤولون العراقيون عن خالص تقديرهم لشركة شانغهاي للكهرباء لوقفتها الكبيرة مع العراق وإنجازها العمل في وقت أقل مما هو متفق عليه، فضلا عن جودة العمل وتوفير فرص عمل للعاطلين، والاستمرار في العمل رغم الظروف الأمنية الصعبة التي دفعت العراق إلى وقف دفع الأموال لها.
وقد ذكر علي أحمد مدير المحطة "نقدر وقوف شركة شانغهاي للكهرباء وتعاونها الكبير في إنجاز هذا المشروع، مضيفا أن "أغلب الشركات الأجنبية انسحبت في مثل تلك الظروف الأمنية الصعبة التي مر بها العراق، لكن شركة شانغهاي للكهرباء واصلت العمل حتى انتهت من بناء وحدات المحطة، وهذا موقف شجاع يسجل للشركة". كما ألمح إلى أن العلاقة استمرت مع الشركة الصينية من خلال عقود أخرى أتاحت للجانب العراقي أن يستلم مهام الصيانة بشكل تدريجي.
وتابع قائلا إن "شركة شانغهاي للكهرباء طبقت مقولة الصديق وقت الضيق بشكل عملي...لأنها لم تنسحب وبقت تعمل كونها تدرك أهمية الكهرباء بالنسبة للعراقيين فضلا عن تمويلها المشروع ماليا بنفسها نتيجة الأزمة المالية التي مر بها العراق".
وأوضح أن وزارة الكهرباء منحت الشركة جائزة تقديرا على جهودها وإدخالها 1320 ميجاواطا في عام 2014 عندما كان العراق في ظرف صعب ويخوض حربا ضد التنظيم الإرهابي، فضلا عن إنجازها العمل قبل 12 شهرا من الوقت المحدد، بالإضافة إلى جودة العمل وتفهم الشركة للوضع المالي الذي مر به العراق نتيجة استنزاف الأموال في هذه الحرب، لذلك فموقف شركة شانغهاي للكهرباء ومثيلاتها من الشركات الصينية وكذا الحكومة الصينية يحظى بتقدير كبير من جانب العراق حكومة وشعبا.
ويرى المراقبون أن استثمار الشركات الصينية أمر حاسم بالنسبة للعراق خاصة مع زيادة عدد سكانه الذي يصل إلى قرابة 40 مليون في الوقت الحالي، مع زيادة الطلب على إمدادات الطاقة الكهربائية بشكل كبير.
وبالفعل، تشارك الصين بشكل مكثف في تطوير قطاع الطاقة بالعراق، حيث تبلغ المساهمة الإجمالية لمحطات الطاقة التي أنشأتها الشركات الصينية 50 في المائة من إجمالي إمدادات الطاقة على مستوى البلاد، ما يضمن تحسنا كبيرا في إمدادات الطاقة للعراقيين.