مقالة خاصة: إتباعا للماضي واستشرافا للمستقبل: الصين والسعودية تواصلان خلق حقبة جديدة من العلاقات الودية والإستراتيجية

الوقت:2019-02-25 16:45:09المصدر: شبكة شينخوا

حققت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود للصين والتي استمرت يومين وجاءت ضمن جولة آسيوية شملت باكستان والهند، حققت نجاحا كبيرا قوبل باهتمام واسع من جانب وسائل الإعلام العالمية، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى ببكين وترأس مع عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هان تشنغ الاجتماع الثالث للجنة التوجيهية رفيعة المستوى لتنسيق التعاون الثنائي، ما ساهم بلا شك في تعزيز وتعميق علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة العربية السعودية.

وقد تم التأكيد خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيس الصيني وولي العهد السعودي على الصداقة والشراكة والتاريخ الطويل من التبادلات القوية بين البلدين والرغبة في العمل المشترك معا للبناء على الإنجازات السابقة ومواصلة خلق حقبة جديدة من العلاقات الودية والإستراتيجية.

-- تعميق علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة

لقد حققت زيارة ولي السعودي الأمير محمد بن سلمان إنجازات هامة، حيث وقع الجانبان الصيني والسعودي خلالها 35 اتفاقية تعاون بقيمة إجمالية تزيد عن 28 مليار دولار أمريكي تشمل مجالات صناعة البتروكيماويات والطاقة والاتصالات وبناء البني التحتية والمالية والتكنولوجيا المتقدمة.

كما تم الإعلان عن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بهدف تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية بين البلدين. وقام ولي العهد السعودي أيضا بزيارة سور الصين العظيم.

إن العلاقات الصينية السعودية تمضي بخطى سريعة وارتكازا على الثقة المتبادلة والمنفعة المشتركة، نحو تدعيم التعاون في مختلف المجالات القائمة وتكثيف العمل المشترك في قطاعات جديدة تحمل إمكانات كبيرة لتعاون واعد مستقبلا.

وتأتي زيارة ولي العهد السعودي في إطار حرص الجانبين الصيني والسعودي على تبادل الزيارات رفيعة المستوى وتعزيز التواصل حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتوثيق التعاون الإستراتيجي، كما تأتي استكمالا للزيارات المتبادلة بين قادتي البلدين والتي تبرهن على مدى حرص قيادتي البلدين على دفع العلاقات إلى مستويات أرحب.

فقد شهدت العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة ثلاث نقلات نوعية: مع رفع مستوى العلاقات بين بكين والرياض إلى مستوى شراكة إستراتيجية شاملة وتشكيل لجنة توجيهية مشتركة رفيعة المستوى خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية عام 2016، ومع تطوير وتعميق التعاون بين البلدين خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للصين عام 2017، ومع مواصلة خلق حقبة جديدة من العلاقات خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للصين يومي 21 و22 فبراير الجاري.

وسلطت هذه الزيارات الضوء على مدى عمق العلاقات وسعي البلدين للانطلاق قدما على طريق شراكتهما الإستراتيجية الشاملة لتحقيق أهدافهما الوطنية. فالصين من أكبر الشركاء التجاريين للسعودية، فيما تعد المملكة أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا وشمال إفريقيا وأيضا شريك طبيعي للصين في مبادرة "الحزام والطريق".

ومن جانبه، قال نينغ جي تشه، نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين، إن مشروعات التعاون التي تم التوصل إليها بين الجانبين الصيني والسعودي خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تأتي في إطار الترابط بين مبادرة "الحزام والطريق" الصينية و"رؤية 2030" السعودية.

وشاطره الرأي وو بينغ بينغ رئيس مؤسسة بحوث الحضارة الإسلامية بجامعة بكين، مضيفا أن التعاون بين البلدين شهد تقدما كبيرا في السنوات الأخيرة ويعيش الآن مرحلة ازدهار.

-- الترابط بين مبادرة"الحزام والطريق" و"رؤية 2030"

طرحت الصين عام 2013 مبادرة "الحزام والطريق" الرامية إلى بناء شبكة من التجارة والبني التحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا من خلال إحياء مسارات التجارة القديمة لتحقيق المنفعة المشتركة والتعاون المربح للجميع. فيما أعلنت السعودية عام 2016 عن خطة للإصلاح الاقتصادي والتنمية تحت عنوان "رؤية 2030" للنهوض باقتصاد المملكة وتنويعه وخلق فرص واعدة للاستثمار.

ورأى دينغ لونغ الأستاذ بجامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية في بكين أن تعزيز التنويع الاقتصادي يعد هدفا هاما لزيارة ولي العهد السعودي، حيث تسعى المملكة وفقا لرؤية 2030 إلى تحقيق هذا التنويع بهدف التخلص من اعتمادها على النفط، مشيرا إلى أن تعزيز الترابط بين الرؤية السعودية والمبادرة الصينية يساعد على جذب الاستثمارات الصينية ودفع التحول الاقتصادي في المملكة.

وعلى خريطة "الحزام والطريق"، تعد السعودية "ركنا وحجرا أساسيا" فيها في ضوء موقعها الإستراتيجي الذي يضعها كحلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا وآسيا، هكذا أكد السفير السعودي لدى الصين تركي بن محمد الماضي في مقابلة سابقة مع ((شينخوا)).

وقد أشار أحمد الشهري المستشار الاقتصادي السعودي في اتصال مع (سبوتنيك) إلى أن "طريق الحرير يمثل انفتاحا صينيا كبيرا على العالم والشرق الأوسط"، فيما ذكر الكاتب عبد الرحمن الراشد في مقال إن "القواسم المشتركة بين رؤية المملكة ومبادرة الحزام والطريق وقيام المملكة بتطوير مناطق مهمة ومدن اقتصادية في مواقع مميزة على طرق التجارة والملاحة العالمية ... يجعلنا متفائلين بمستقبل زاهر للعلاقة التجارية الإستراتيجية المشتركة ما بين السعودية والصين".

وتأتي مشروعات التعاون المختلفة بين البلدين ومنها مشروع شركة ينبع أرامكو سينوبك للتكرير المحدودة (ياسرف) لتجسد هذا التكامل في الرؤى التنموية. ولم يتوقف التعاون الثنائي على مجال الطاقة فحسب، وإنما امتد إلى مجالات أخرى، إذ قال محمد بن عبد الله البريثن القنصل العام للسعودية في قوانغتشو بالصين في حديث لصحيفة (سبق) إنه "يوجد في السعودية أكثر من 140 شركة صينية تعمل في مجالات الإنشاءات والاتصالات والبنية التحتية والبتروكيماويات، وغيرها من المجالات".

-- التعاون في أسواق ثالثة في إطار الحزام والطريق

خلال زيارة ولي العهد السعودي، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن بكين مستعدة للعمل مع الرياض بهدف "تعزيز السلام من خلال التنمية" في إطار البناء المشترك للحزام والطريق ودفع التعاون التنموي الإقليمي. فيما أعرب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن استعداد السعودية إلى تعزيز التنسيق والتعاون في الشؤون متعددة الأطراف مع الصين من أجل الحفاظ على المصالح المشتركة.

وفي هذا الإطار، تسلطت الأضواء على توقيع ولي العهد السعودي خلال زيارته الأخيرة لباكستان على 8 اتفاقيات حيث شملت الاتفاقيات مصفاة أرامكو في ميناء جوادر الباكستاني بقيمة 10 مليارات دولار، فيما بلغت قيمة الاستثمارات ـ المتضمنة في الاتفاقيات الموقعة بين السعودية وباكستان في مختلف القطاعات ـ 20 مليار دولار.

وفي الواقع، يعد ميناء جوادر نقطة محورية على الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، هو مشروع مهم في إطار الحزام والطريق وقد حظى باهتمام من جانب السعودية حيث قال السفير السعودي لدى باكستان نواف المالكي في مطلع العام الجاري إن بلاده حريصة على الاستثمار في مشروع الممر، وإن الاستثمار السعودي سيسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في باكستان.

وفي هذا الصدد، يري الأستاذ دينغ إنه بالإضافة إلى التعاون الثنائي في إطار تحقيق الترابط بين الإستراتيجيات التنموية للصين والسعودية، كان أحد أبرز معالم زيارة ولي العهد هو أن الصين والسعودية بدأتا في استكشاف التعاون في أسواق أطراف ثالثة مثل باكستان، لافتا إلى أن الصين ترحب باستثمارات المملكة في المصافي الكبرى في باكستان، إذ يصب ذلك في صالح بناء الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني ويحقق المنفعة المشتركة. 

تحرير: تشي هونغ