باحث صيني بارز يسلط الضوء على دوافع الزيارات المتتالية لوزراء خارجية دول الخليج للصين
وو يي هونغ الباحث البارز في شؤون الشرق الأوسط بمعهد ((تايخه)) الصيني للدراسات والبحوث الإستراتيجية. (شينخوا)
بكين 16 يناير 2022 (شينخوا) في الآونة الأخيرة، قام وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وسلطنة عمان والبحرين وتركيا وإيران، وكذلك الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، بزيارة الصين تباعا. وفي الـ13 من الشهر الجاري، أجرى عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي محادثة هاتفية مع وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
في ضوء ذلك، رأى وو يي هونغ الباحث البارز في شؤون الشرق الأوسط بمعهد ((تايخه)) الصيني للدراسات والبحوث الإستراتيجية أنه على خلفية اشتداد المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى، وحدوث جولة جديدة من الأوبئة، وضعف الانتعاش الاقتصادي العالمي، تُبرز الزيارات المكثفة التي قام بها مسؤولون رفيعو المستوى من دول بالشرق الأوسط إلى الصين الاهتمام الكبير الذي يولونه لتنمية العلاقات مع الصين، مشيرا إلى أن تعزيز التوافق مع استراتيجية التنمية الصينية هو خيار استراتيجي اتخذوه.
وحول هذا التوافق، ذكر وو أنه في السنوات الأخيرة، طرحت المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران والكويت وسلطنة عمان والبحرين ودول أخرى خطط تنمية متوسطة وطويلة الأجل، وتأمل في تعزيز الالتحام مع استراتيجية التنمية الصينية في سياق الثورة الصناعية الرابعة، والتعاون مع الصين في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والمجالات العملية الرقمية مثل الاقتصاد، والاقتصاد الأخضر، والتجارة الإلكترونية، والبيانات الضخمة، وهو ما يثرى معنى التعاون.
جدير بالذكر أن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي والصين أصدرتا، خلال الزيارة، بيانا مشتركا أكدتا فيه أن المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس الخليجي والصين وإقامة منطقة التجارة الحرة بين دول المجلس الخليجي والصين ستكتمل في أقرب وقت ممكن.
وقد أشار الباحث إلى أن منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وُضعت على جدول الأعمال مرة أخرى بعد سنوات عديدة من الصمت. وعزا ذلك إلى سببين رئيسيين، أحدهما أن العالم يمر بمرحلة حرجة من تحول الطاقة، والآخر هو تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ملمحا إلى وجود ارتباط كبير بين هذين السببين.
وشرح وو رؤيته قائلا إنه لطالما كان النفط حجر الزاوية المهم للهيكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الشرق الأوسط، ومع تزايد أهمية الطاقة النظيفة، تضاءل التأثير الدولي للشرق الأوسط، مما أدى إلى تحولات في ميزان القوى بين المناطق والبلدان.
ولفت إلى أن الارتقاء بالتعاون الاقتصادي والتجاري إلى مستوى مواءمة استراتيجيات التنمية أصبح إجماعًا بين الصين ودول الخليج، مضيفا أنه في نظر دول الخليج، الصين هي الدولة الكبرى الوحيدة القادرة والراغبة في مساعدتهم على تحسين البنية التحتية وتحقيق التصنيع والتحول الاقتصادي. لذلك، أبدوا اهتمامًا قويًا بمنصات التمويل الجديدة مثل مبادرة الحزام والطريق والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ويسعون بنشاط لربط خططهم التنموية بمبادرة الحزام والطريق لجذب الاستثمار الصيني وتسهيل التحول الاقتصادي.
ومن ناحية أخرى، فإنه بعد وصول إدارة بايدن إلى السلطة، اقترحت باستمرار تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط وتقليل الاستثمار في الشرق الأوسط، وتسعى لتعويض النقص في القوات الأمنية من خلال مطالبة الحلفاء بزيادة الاستثمار، حسبما ذكر وو.
وتابع بقوله إن تأثير هذا التحول معقد، ودول الخليج تدرك جيدًا حقيقة أن "الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها"، موضحا أن دول الخليج أدركت أن السبيل الوحيد هو وضع البناء الاقتصادي في صميم التنمية الوطنية، بالاعتماد على قوتها الذاتية، من خلال التفاوض السلمي والحوار، للتخفيف من حدة التنافس الشرس على الفكر والطائفية والهيمنة، وتقليل احتمالية نشوب نزاعات بين الدول بسبب الصراعات الأمنية. ورأى وو أن التحول في العلاقات الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي يتجلى في الحوار النشط بين المملكة العربية السعودية وإيران.
وسلط الباحث الضوء على أن دول مجلس التعاون الخليجي طرحت خططا للإصلاح والتحول الاقتصادي، رغبة منها في تقليل الاعتماد المفرط على الطاقة التقليدية في التنمية الاقتصادية، مع اعتماد تشريعات وآليات داعمة لذلك بشكل فعال، وإطلاق رؤى للتنمية المستدامة.
وأضاف أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي الست، والتكامل الاقتصادي والطلب بين الصين ودول الخليج مرتفع للغاية، وبالنسبة للصين، فإن إقامة علاقة مستقرة مع دول مجلس التعاون الخليجي تساعد على الحفاظ على إمدادات الطاقة المستقرة وكسر نظام البترودولار، مبينا أنه في مجال الطاقة القديمة، تعد الصين أكبر مستهلك، بينما في مجال الطاقة الجديدة، تنتمي الصين والدول الخارجية إلى معسكر الدول النامية.
"هناك تقارب بين الصين ودول الخليج، وهي حقيقة لا تريد الولايات المتحدة رؤيتها" هكذا قال وو، لافتا إلى أن زرع الفتنة بين الصين ودول الخليج، وتقويض تعاون الصين مع إيران وإسرائيل باسم مكافحة الإرهاب ومكافحة الانتشار النووي، وحماية الحلفاء والأمن القومي للولايات المتحدة هي أهداف معلنة للحكومة الأمريكية. كما أنه منذ فترة، حاولت الولايات المتحدة جذب دول الشرق الأوسط للانضمام إلى معسكرها المناهض للصين، لكنها قوبلت بالرفض من قبل معظم الدول.
ويرى الباحث أن توسع علاقات الخليج مع الصين على المسارات الاقتصادية والسياسية والأمنية لن يمتد إلى مسافة أبعد مما بلغ مع المعسكر الأمريكي. ومع ذلك، يمكن النظر إلى الموقف الحالي لدول الخليج تجاه الصين على أنه تطور إيجابي في حماية الأمن القومي والمصالح الداخلية والخارجية والتخلص التدريجي من السيطرة الأحادية الجانب للولايات المتحدة.
وعلى صعيد آخر، قال وو إنه لطالما كانت العلاقة بين دول الخليج وإيران متوترة، ولطالما كانت كيفية تحقيق التوازن بين علاقات الصين مع الدول العربية وعلاقاتها مع إيران تحديًا لا مفر منه لعلاقات الصين مع هذه الدول. ففي عام 2021، توصلت الصين وإيران إلى اتفاق تعاون طويل الأجل مدته 25 عامًا، والذي اُعتقد في وقت ما أنه يخل بالتوازن في العلاقات بين الصين والطرفين. ولكن دول الخليج قبلت حقيقة التعاون الطبيعي بين الصين وإيران، بل وتسعى إلى تحسين مستوى إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون الصيني الخليجي، وتلتزم باستئناف مفاوضات منطقة التجارة الحرة، والتوصل إلى اتفاق تعاون مماثل طويل الأجل مع الصين.
وسلط الضوء على أنه يجري حاليا تعاون معمق بين الصين ودول الخليج في المجالات الناشئة مثل صناعات المنبع والمصب والطاقة والتصنيع والتكنولوجيا الفائقة والطاقة الجديدة، وبدأ الجانبان في استكشاف التعاون في أسواق طرف ثالث.
وقال إنه يمكن للصين في المستقبل تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والدعم السياسي والتنسيق الأمني بينها وبين دول الخليج من خلال النقاط الخمس التالية: أولها هو إقامة شراكة استراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في أسرع وقت ممكن، وتوسيع مجالات التعاون الثنائي، وتحسين مستوى التعاون العملي. وثانيها هو استكمال المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين في أقرب وقت ممكن، وإنشاء منطقة التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين، وتحسين مستوى تحرير وتسهيل التجارة، وتنسيق تعزيز المصالح الاقتصادية والتجارية للجانبين.
أما ثالثها فهو تكثيف التعاون في مجال الطاقة، حيث تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي موارد متجددة وفيرة مع إمكانات تنموية هائلة، ولدى الجانبين آفاق واسعة للتعاون؛ ورابعها هو دعم التعددية وحماية نظام التجارة العالمي بشكل مشترك، وتسريع التعافي الاقتصادي، وخامسها هو الاستفادة الكاملة من آلية الحوار الاستراتيجي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي للقيام بدور بناء في تعزيز الأمن في منطقة الخليج، حسبما ذكر وو.
ونوه الباحث إلى أنه يصعب على الولايات المتحدة بطبيعة الحال أن تترك دعم دول الخليج المنتجة للنفط، حيث ترتبط تجارة النفط بقيمة الدولار، وهيمنة الدولار هي أساس نظام الهيمنة الأمريكية الضخم، قائلا إنه إذا فقدت الولايات المتحدة نفوذها في الشرق الأوسط، فإن هيمنتها على الدولار ستهتز حتماً، وسيتلاشى نفوذها في العالم حتماً.