طريق الحرير الحديث ينسج علاقات إستراتيجية بين الصين والدول العربية

الوقت:2018-08-07 16:11:37المصدر: شبكة شينخوا

يُستخدم اللبان في الطب الصيني التقليدي لتسكين الألم وتخفيف التورم. بيد أن تضمين الراتنج العطري في المواد الطبية بالطب الصيني التقليدي لا يدل على قدرته في تنشيط طاقة البشر الحيوية المعروفة باسم "تشي" في اللغة الصينية فحسب، وإنما يمثل أيضا إشارة واضحة للعلاقات التجارية التي ترجع لقرون بين الصين والدول العربية.

إذ جاء اللبان إلى الصين عبر طرق التجارة البرية التي ازدهرت في القرن السابع. وشجع طريق الحرير القديم كلاً من تجارة السلع وتبادل الأفكار بين الصينيين والعرب. وحافظت تلك العلاقة على هذه الديمومة، كما تبين الزيارات المتبادلة بين الزعماء الصينيين والعرب خلال السنوات القليلة الماضية.

وكان أبرزها في الآونة الأخيرة الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف تعزيز التعاون الثنائي وتطوير شراكة إستراتيجية بين البلدين.

وجاءت زيارة الرئيس شي بدعوة من نظيره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتعد أول زيارة يقوم بها رئيس صيني للإمارات منذ 29 عاما، وحظيت بأهمية سياسية وتاريخية وإستراتيجية كبيرة، كما لاقت إشادة واسعة من مختلف الأوساط في الصين والدول العربية.

ومن بين الدول العربية، تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين وأكبر وجهة لصادراتها. وقد سجل إجمالي حجم التجارة بين البلدين ارتفاعا بنسبة 1.06 في المائة في عام 2017 مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 41 مليار دولار أمريكي. وقد قامت شركات صينية وإماراتية باستثمارات في العديد من مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء محطة طاقة شمسية ومحطة طاقة تعمل بالفحم النظيف في دبي فضلا عن التوسع في ميناء خليفة بالعاصمة أبو ظبي.

ويؤكد محللون أن العلاقات الصينية العربية سوف تشهد على نطاق أوسع المزيد من التعزيز عبر نسخة القرن الـ21 من طريق الحرير المتمثلة في مبادرة "الحزام والطريق"، التي تم إدراجها في الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني-العربي المنعقد في يوليو الماضي ببكين، حيث افتتح الرئيس الصيني المنتدى بقوله إن الدول العربية هي شريك طبيعي للصين في بناء مبادرة الحزام والطريق نظرا لموقعها الجغرافي المهم.

وقال سون ده قانغ، نائب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، إن مبادرة "الحزام والطريق" ستوسع حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية وتعزز الاستثمار وتتيح أسواقا جديدة أمام شركات صينية وعربية.

وأضاف سون أن هذا هو "التعاون المربح للجانبين"، مشيرا إلى أن الصين تعد الآن من بين أهم مصادر الاستثمار وأكبر الشركاء التجاريين بالنسبة للعديد من الدول العربية. وفي الوقت نفسه، توفر الدول العربية سوقاً أوسع بالنسبة للشركات الصينية سريعة النمو.

كما قالت العنود إبراهيم الدعيج الصباح، وهي أكاديمية كويتية متخصصة بالشؤون العربية الصينية، إن "الصين والدول العربية لديهما أهداف تكاملية من شأنها أن تفضي إلى شراكة إستراتيجية".

وأضافت أن الصين لديها اقتصاد سريع النمو يحتاج إلى تأمين مصادر للطاقة والوصول للأسواق الخارجية. وفي نفس الوقت، تحتاج الدول العربية إلى سوق لصادراتها من النفط والغاز واستثمارات إضافية في مجال البنية التحتية بغية تطوير صناعاتها الأخرى.

في عام 2014، دعا الرئيس الصيني الدول العربية إلى دعم مبادرة "الحزام والطريق" خلال الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني - العربي، حيث قال إن الصين والدول العربية تنعمان بتفاهم وصداقة متبادلين بسبب طريق الحرير، وهما شريكان طبيعيان في بناء المبادرة.

وخلال أربع سنوات تلت طرح شي لهذه الدعوة، انخرطت الصين والدول العربية في "تواصل وتعاون مثمر"، وفقا لما ذكره عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي.

وقال وانغ في مقال له نُشر في صحيفة ((أخبار الخليج)) إنه خلال السنوات الأربع الماضية، قام شي بالعديد من الزيارات الرسمية لدول منطقة الشرق الأوسط واستضاف قادة دول مصر والمملكة العربية السعودية والمغرب وفلسطين. كما قامت الصين برفعرفع علاقاتها الإستراتيجية مع 11 دولة عربية، ووقعت اتفاقيات تعاون بشأن التشارك في بناء "الحزام والطريق" مع تسع دول عربية.

ولفت وانغ إلى قيام كل من صندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بضخ استثمارات في الدول العربية. كما أتاحت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية القوية جلب المزيد من التجارة والاستثمارات، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري الصيني العربي بنسبة 11.9 في المائة ليبلغ قرابة 200 مليار دولار في عام 2017، في حين ازداد الاستثمار الصيني المباشر في البلدان العربية بمقدار 9.3 في المائة ليصل إلى 1.26 مليار دولار.

وقال جوناثان فولتون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد في أبو ظبي، إنه "في حالة الشراكة بين الدول العربية والصين، أتوقع أن التنمية في الدول العربية ستكون هي المحور، وذلك من خلال محاولة تحقيق الاستقرار الإقليمي عبر التنمية الاقتصادية، واستخدام التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق كوسيلة لتسهيل ذلك".

وقالت فولتون إن الشركات الصينية هي من بين أكبر المستثمرين في منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة في سلطنة عُمان ومنطقة خليفة الصناعية (كيزاد) في أبو ظبي بالإمارات.

وأفادت تقارير إعلامية أن 15 شركة صينية ضخت مليار دولار أمريكي في "كيزاد"، في حين استثمر تجمع يضم شركات صينية في منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة.

بالنسبة لبن سيمبفندورفر، الرئيس التنفيذي لشركة ((سيلك رود أسوشيتس))، وهي شركة استشارية مقرها هونغ كونغ، تُظهر هذه الاستثمارات كيفية اغتنام الشركات الصينية الفرص التي تتيحها مبادرة "الحزام والطريق".

ويرى محللون أن هذه الاستثمارات مهمة أيضاً في المرحلة التالية بالنسبة للتنمية في البلدان العربية، إذ أنها ستساعد على تنويع اقتصاداتها التي اعتمدت لفترة طويلة على الصادرات النفطية. وقد شهدت العديد من دول الشرق الأوسط مثل السعودية وقطر والكويت تأثيرات سلبية لانخفاض أسعار النفط بين عامي 2014 و2016 على اقتصاداتها. وهذا ما دفعها لاستكشاف وتطوير صناعات أخرى.

وقال شولتو بيرنز، وهو باحث شهير في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية ومقره ماليزيا، إن علاقات العالم العربي مع الصين مهمة "لأن الصين يمكن أن تساعد في تحديث وتنويع اقتصادات الخليج".

وقال تيرينس تشونج، المدير التنفيذي لمعهد "لاو تشور تاك" في الجامعة الصينية في هونغ كونغ، إن "مبادرة الحزام والطريق ستمثل مصدراً آخر للنمو بالنسبة للبلدان العربية"، مضيفا أنه من خلال الشراكة مع الصين، تستطيع الدول العربية إنشاء صناعات أخرى تتيح لها تقليل الاعتماد على قطاع النفط والغاز.

ومن الأمثلة على ذلك منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة، التي تم الترويج لها كمدخل للتنوع الاقتصادي في عُمان. وقد تعهدت الشركات الصينية، أكبر المستثمرين في الدقم، ببناء مصنع للميثانول ومصانع أنابيب ومحطة لتجميع السيارات وفندق في غضون السنوات الأربع القادمة.

كما استفادت السعودية، التي بدأت بتنفيذ "رؤية 2030" في عام 2016، أيضا من الصين كشريك في تنوعها الاقتصادي. إذ جرى خلال زيارة الدولة، التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى بكين العام الماضي، جرى توقيع اتفاقات بقيمة 65 مليار دولار تشمل تمويل مشاريع بتروكيماويات في كل من الصين والمملكة.

كما ستمنح مبادرة "الحزام والطريق" للبلدان العربية "وصولاً فعالاً إلى الأسواق الجديدة بتكلفة معقولة"، هكذا رأى نوازيش ميرزا، وهو أستاذ مشارك في قسم الدراسات المالية بكلية ((إس بي جين)) للإدارة العالمية.

وقال إنه إلى جانب الصين، ستكون الدول العربية قادرة على تصدير منتجات إلى دول آسيوية وأفريقية أخرى مرتبطة بالطرق والموانئ والسكك الحديدية التي تم إنشاؤها في إطار مبادرة "الحزام والطريق".

وأوضح ميرزا أن الدور الرئيسي الذي تلعبه الصين فيما يتعلق بالتنوع الاقتصادي للدول العربية يؤكد أيضا حقيقة أن العلاقات الصينية العربية تتجاوز الصادرات النفطية، مشيرا إلى أن الصين، كأكبر مستورد للنفط في العالم، فإن معظم نفطها يأتي من دول منطقة الشرق الأوسط. بالتالي، هذا هو السبب في أن النفط سيظل "عاملاً مهمًا للغاية" في علاقة الصين مع العالم العربي. بيد أن مبادرة "الحزام والطريق" ستوسع هذا التعاون ليشمل قطاعات أخرى.

وقال إن "التآزر المتبادل من شأنه أن يفيد بسهولة الجانبين في مجالات التجارة والتصنيع والتمويل والتكنولوجيا والثقافة".

تحرير: تشي هونغ